والأقرأ أورع منه فالأعلم أولى الا ان النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأقرأ في الحديث لان الأقرأ في ذلك الزمان كان أعلم لتلقيهم القرآن بمعانيه وأحكامه فاما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرا في القرآن ولاحظ له من العلم فكان الأعلم أولى فان استووا في العلم فأورعهم لان الحاجة بعد العلم والقراءة بقدر ما يتعلق به الجواز إلى الورع أشد قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبي وإنما قدم أقدمهم هجرة في الحديث لان الهجرة كانت فريضة يومئذ ثم نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فيقدم الأورع لتحصل به الهجرة عن المعاصي فان استووا في الورع فاقرؤهم لكتاب الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم أهل القرآن أهل الله وخاصته فان استووا في القراءة فأكبرهم سنا لقوله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فإن كانوا فيه سواء فأحسنهم خلقا لان حسن الخلق من باب الفضيلة ومبنى الإمامة على الفضيلة فإن كانوا فيه سواء فأحسنهم وجها لان رغبة الناس في الصلاة خلفه أكثر وبعضهم قالوا معنى قوله في الحديث أحسنهم وجها أي أكثرهم خبرة بالأمور يقال وجه هذا الامر كذا وقال بعضهم أي أكثرهم صلاة بالليل كما جاء في الحديث من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ولا حاجة إلى هذا التكلف لان الحمل على ظاهره ممكن لما بينا ان ذلك من أحد دواعي الاقتداء فكانت إمامته سببا لتكثير الجماعة فكان هو أولى ويكره للرجل أن يؤم الرجل في بيته الا باذنه لما روينا من حديث أبي سعيد مولى بنى أسيد ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمة أخيه الا باذنه فإنه أعلم بعورات بيته وفى رواية في بيته ولان في التقدم عليه ازدراء به بين عشائره وأقاربه وذا لا يليق بمكارم الأخلاق ولو أذن له لا بأس به لان الكراهة كانت لحقه وذكر محمد في غير رواية الأصول ان الضيف إذا كان ذا سلطان جاز له أن يؤم بدون الاذن لان الاذن لمثل هذا الضيف ثابت دلالة وانه كالاذن نصا وأما إذا كان الضيف سلطانا فحق الإمامة له حيثما يكون وليس للغير أن يتقدم عليه الا باذنه والله أعلم * (فصل) * وأما بيان مقام الإمام والمأموم فنقول إذا كان سوى الامام ثلاثة يتقدمهم الامام لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الأمة بذلك وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال إن جدتي مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام فقال صلى الله عليه وسلم قوموا لأصلي بكم فأقامني واليتيم من ورائه وأمي أم سليم من ورائنا ولان الامام ينبغي أن يكون بحال يمتاز بها عن غيره ولا يشتبه على الداخل ليمكنه الاقتداء به ولا يتحقق ذلك الا بالتقدم ولو قام في وسطهم أو في ميمنة الصف أو في ميسرته جاز وقد أساء أما الجواز فلان الجواز يتعلق بالأركان وقد وجدت وأما الإساءة فلتركه السنة المتواترة وجعل نفسه بحال لا يمكن الداخل الاقتداء به وفيه تعريض اقتدائه للفساد ولذلك إذا كان سواء اثنان يتقدمهما في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يتوسطهما لما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه صلى بعلقمة والأسود وقام وسطهما وقال هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولنا) ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم بأنس واليتيم وأقامهما خلفه وهو مذهب على وابن عمر رضي الله عنهما وأما حديث ابن مسعود فهذه الزيادة وهي قوله هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تر وفى عامة الروايات فلم يثبت وبقى مجرد الفعل وهو محمول على ضيق المكان كذا قال إبراهيم النخعي وهو كان أعلم الناس بأحوال عبد الله ومذهبه ولو ثبتت الزيادة فهي أيضا محمولة على هذه الحالة أي هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ضيق المكان على أن الأحاديث ان تعارضت وجب المصير إلى المعقول الذي لأجله يتقدم الامام وهو ما ذكرنا أنه يتقدم لئلا يشتبه حاله وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه غير أن ههنا لو قام الامام وسطهما لا يكره لورود الأثر وكون التأويل من باب الاجتهاد وإن كان مع الامام رجل واحد أوصى يعقل الصلاة يقف عن يمين الامام لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال بت عند خالتي ميمونة لأراقب صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نامت العيون وغارت النجوم وبقى الحي القيوم ثم قرأ آخر آل عمران ان في خلق السماوات والأرض الآيات ثم قام إلى شن
(١٥٨)