ابن عمير إلى المدينة قال له إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة وروى أنه كتب إلى أسعد بن زرارة إذا زالت الشمس من اليوم الذي تتجهز فيه اليهود لسبتها فازدلف إلى الله تعالى بركعتين وما روى أن ابن مسعود أقام الجمعة ضحى يعنى بالقرب منه ومراد الراوي أنه ما اخرها بعد الزوال فإن لم يؤدها حتى دخل وقت العصر تسقط الجمعة لأنها لا تقضى لما نذكر وقال مالك تجوز إقامة الجمعة في وقت العصر وهو فاسد لأنها أقيمت مقام الظهر بالنص فيصير وقت الظهر وقتا للجمعة وما أقيمت مقام غير الظهر من الصلوات فلم تكن مشروعة في غير وقته والله أعلم هذا الذي ذكرنا من الشرائط مذكورة في ظاهر الرواية وذكر في النوادر شرطا آخر لم يذكره في ظاهر الرواية وهو أداء الجمعة بطريق الاشتهار حتى أن أميرا لو جمع جيشه في الحصن وأغلق الأبواب وصلى بهم الجمعة لا تجزئهم كذا ذكر في النوادر فإنه قال السلطان إذا صلى في فهندرة والقوم مع أمراء السلطان في المسجد الجامع قال إن فتح باب داره وأذن للعامة بالدخول في فهندرة جاز وتكون الصلاة في موضعين ولو لم يأذن للعامة وصلى مع جيشة لا تجوز صلاة السلطان وتجوز صلاة العامة وإنما كان هذا شرط لان الله تعالى شرع النداء لصلاة الجمعة بقوله يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله والنداء للاشتهار ولذا يسمى جمعة لاجتماع الجماعات فيها فاقتضى أن تكون الجماعات كلها مأذونين بالحضور اذنا عاما تحقيقا لمعنى الاسم والله أعلم * (فصل) * وأما بيان مقدارها فمقدارها ركعتان عرفنا ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من بعده وعليه اجماع الأمة وينبغي للامام أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة مقدار ما يقرأ في صلاة الظهر وقد ذكرناه ولو قرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة الجمعة وفى الثانية بفاتحة الكتاب وسورة المنافقين تبركا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسن فإنه روى أنه كان يقرأهما في صلاة الجمعة وروى أنه قرأ في صلاة العيدين والجمعة سبح اسم ربك الاعلى والغاشية فان تبرك بفعله صلى الله عليه وسلم وقرأ هذه السورة في أكثر الأوقات فنعم ما فعل ولكن لا يواظب على قراءتها بل يقرأ غيرها في بعض الأوقات حتى لا يؤدى إلى هجر بعض القرآن ولئلا تظنه العامة حتما ويجهر بالقراءة فيها لورود الأثر فيها بالجهر وهو ما روى عن ابن عباس أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة وفى الثانية سورة المنافقين ولو لم يجهر لما سمع وكذا الأمة توارثت ذلك ولان الناس يوم الجمعة فرغوا قلوبهم عن الاهتمام لأمور التجارة لعظم ذلك الجمع فيتأملون قراءة الإمام فتحصل لهم ثمرات القراءة فيجهر بها كما في صلاة الليل * (فصل) * وأما بيان ما يفسدها وبيان حكمها إذا فسدت أو فاتت عن وقتها فنقول إنه يفسد الجمعة ما يفسد سائر الصلوات وقد بينا ذلك في موضعه والذي يفسدها على الخصوص أشياء منها خروج وقت الظهر في خلال الصلاة عند عامة المشايخ وعند مالك لا يفسدها بناء على أن الجمعة فرض مؤقت بوقت الظهر عند العامة حتى لا يجوز أداؤها في وقت العصر وعنده يجوز وقد مر الكلام فيه وكذا خروج الوقت بعد ما قعد قدر التشهد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا تفسد وهي من المسائل الاثني عشرية وقد مرت ومنها فوت الجماعة الجمعة قبل أن يقيد الامام الركعة بالسجدة بان نفر الناس عنه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا تفسد وأما فوتها بعد تقييد الركعة بالسجدة فلا تفسد عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تفسد وقد ذكرنا هذه المسائل وأما حكم فسادها فان فسدت بخروج الوقت أو بفوت الجماعة يستقبل الظهر وان فسدت بما تفسد به عامة للصلوات من الحدث العمد والكلام وغير ذلك يستقبل الجمعة عند وجود شرائطهما وأما إذا فاتت عن وقتها وهو وقت الظهر سقطت عند عامة العلماء لان صلاة الجمعة لا تقضى لان القضاء على حسب الأداء والأداء فات بشرائط مخصوصة يتعذر تحصيلها على كل فرد فتسقط بخلاف سائر المكتوبات إذا فاتت عن أوقاتها والله أعلم * (فصل) * وأما بيان ما يستحب في يوم الجمعة وما يكره فيه فالمستحب في يوم الجمعة لمن يحضر الجمعة أن يدهن ويمس طيبا ويلبس أحسن ثيابه إن كان عنده ذلك ويغتسل لان الجمعة من أعظم شعائر الاسلام فيستحب أن
(٢٦٩)