حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الناس إلى استدراك فضيلة الصلاة خلفه وهذا المعنى منعدم في زماننا فوجب اعتبار المنافى فيصلى كل طائفة بامام على حدة ولأبي حنيفة ومحمد اجماع الصحابة رضي الله عنهم على جوازها فإنه روى عن علي رضي الله عنه أنه صلى صلاة الخوف وروى عن أبي موسى الأشعري أنه صلى صلاة الخوف بأصبهان وسعيد بن العاص كان يحارب المجوس بطبرستان ومعه جماعة من الصحابة منهم الحسن وحذيفة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فقال أيكم شهد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حذيفة أنا فقام وصلى بهم صلاة الخوف على نحو ما يقوله فانعقد اجماع الصحابة على الجواز وبه تبين أن ما ذكرا من المعنى غير سديد لخروجه عن معارضة الاجماع مع أن ذلك ترك الواجب وهو ترك المشي في الصلاة لا حراز الفضيلة وذا لا يجوز على أن الحاجة إلى استدراك الفضيلة قائمة لان كل طائفة يحتاجون إلى الصلاة خلف أفضلهم والى احراز فضيلة تكثير الجماعة ولان الأصل في الشرع أن يكون عاما في الأوقات كلها الا إذا قام دليل التخصيص واحراز الفضيلة لا يصلح مخصصا لما بينا وأما الآية فليس فيها أنه إذا لم يكن الرسول فيهم لا تجوز فكان تعليقا بالسكوت وأنه غير صحيح * (فصل) * وأما مقدارها فيصلى الامام بهم ركعتين إن كانوا مسافرين أو كانت الصلاة من ذوات ركعتين كالفجر وإن كانوا مقيمين والصلاة من ذوات الأربع أو الثلاث صلى بهم أربعا أو ثلاثا ولا ينتقض عدد الركعات بسبب الخوف عندنا وهو قول عامة الصحابة وكان ابن عباس يقول صلاة المقيم أربع ركعات وصلاة المسافر ركعتان وصلاة الخوف ركعة واحدة وبه أخذ بعض العلماء واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع بكل طائفة ركعة فكانت له ركعتان ولكل طائفة ركعة ولنا ما روى ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله عنهم صلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ما قلنا وهكذا فعل الصحابة بعده فيكون اجماعا منهم وما نقل عن ابن عباس فتأويله أنها ركعة مع الامام وعندنا يصلى الامام بكل طائفة ركعة واحدة إذا كانوا مسافرين وهو تأويل الحديث * (فصل) * وأما كيفيتها فقد اختلف العلماء فيها اختلافا فاحشا لاختلاف الاخبار في الباب قال علماؤنا يجعل الامام الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو ويفتتح الصلاة بطائفة فيصلى بهم ركعة إن كان مسافرا أو كانت الصلاة صلاة الفجر وركعتين إن كان مقيما والصلاة من ذوات الأربع وينصرفون إلى وجه العدو ثم تأتى الطائفة الثانية فيصلى بهم بقية الصلاة فينصرفون إلى وجه العدو ثم تأتى الطائفة الأولى فيقضون بقية صلاتهم بغير قراءة وينصرفون إلى وجه العدو ثم تجئ الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة وقال مالك يجعل الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو ويفتتح الصلاة بطائفة فيصلى بهم ركعة ثم يقوم الامام ويمكث قائما فتتم هذه الطائفة صلاتهم ويسلمون وينصرفون إلى وجه العدو ثم تأتى الطائفة الثانية فيصلى بهم الركعة الثانية ويسلم الامام ولا يسلمون بل يقومون فيتمون صلاتهم وهو قول الشافعي الا أنه يقول لا يسلم الامام حتى تنم الطائفة الثانية صلاتهم ثم يسلم الامام ويسلمون معه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بالطائفة الأولى ركعة انتظرهم حتى أتموا صلاتهم وذهبوا إلى العدو وجاءت الطائفة الأخرى فبدؤا بالركعة الأولى والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظرهم ثم صلى بهم الركعة الثانية ولم يأخذ به أحد من العلماء وروى شاذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين فكانت له أربع ركعات ولكل طائفة ركعتين احتج الشافعي بما روى سهل بن أبي خيثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على نحو ما قلنا ولنا ما روى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاها على نحو ما قلنا وروينا عن حذيفة أنه أقام صلاة الخوف بطبرستان بجماعة من الصحابة على نحو ما قلنا ولم ينكر عليه أحد فكان اجماعا وبه تبين أن الاخذ بما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ولان الرواية عن هؤلاء لم تتعارض والرواية عن سهل بن أبي خيثمة متعارضة فان بعضهم روى عنه مثل
(٢٤٣)