ينعقد عن الخبر وعن القياس على ما عرف في أصول الفقه * (فصل) * ثم الكلام يقع في تفسير الحيض والنفاس والاستحاضة وأحكامها (أما) الحيض فهو في عرف الشرع اسم لدم خارج من الرحم لا يعقب الولادة مقدر بقدر معلوم في وقت معلوم فلابد من معرفة لون الدم وحاله ومعرفة خروجه ومقداره ووقته (اما) لونه فالسواد حيض بلا خلاف وكذلك الحمرة عندنا وقال الشافعي دم الحيض هو الأسود فقط واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة بنت حبيش حين كانت مستحاضة إذا كان الحيض فإنه دم أسود فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئ وصلى (ولنا) قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى جعل الحيض أذى واسم الأذى لا يقتصر على الأسود وروى أن النساء كن يبعثن بالكرسف إلى عائشة رضي الله عنها فكانت تقول لا حتى ترين القصة البيضاء أي البياض الخالص كالحيض فقد أخبرت ان ما سوى البياض حيض والظاهر أنها إنما قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه حكم لا يدرك بالاجتهاد ولان لون الدم يختلف باختلاف الأغذية فلا معنى للقصر على لون واحد وما رواه غريب فلا يصلح معارضا للمشهور مع ما انه مخالف للكتاب على أنه يحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم علم من طريق الوحي أيام حيضها بلون الدم فبنى الحكم في حقها على اللون لا في حق غيرها وغير النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم أيام الحيض بلون الدم وأما الكدرة ففي آخر أيام الحيض حيض بلا خلاف بين أصحابنا وكذا في أول الأيام عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكون حيضا وجه قوله إن الحيض هو الدم الخارج من الرحم لا من العرق ودم الرحم يجتمع فيه في زمان الطهر ثم يخرج الصافي منه ثم الكدر ودم العرق يخرج الكدر منه أولا ثم الصافي فينظر ان خرج الصافي أولا علم أنه من الرحم فيكون حيضا وان خرج الكدر أولا علم أنه من العرق فلا يكون حيضا (ولنا) ما ذكرنا من الكتاب والسنة من غير فصل وقوله وان كدرة دم الرحم تتبع صافيه ممنوع وهذا أمر غير معلوم بل قد يتبع الصافي الكدر خصوصا فيما كان الثقب من الأسفل وأما التربة فهي كالكدرة وأما الصفرة فقد اختلف المشايخ فيها فقد كان الشيخ أبو منصور يقول إذا رأت في أول أيام الحيض ابتداء كان حيضا اما إذا رأت في آخر أيام الطهر واتصل به أيام الحيض لا يكون حيضا والعامة على أنها حيض كيفما كانت وأما الخضرة فقد قال بعضهم هي مثل الكدرة فكانت على الخلاف وقال بعضهم الكدرة والتربة والصفرة والخضرة إنما تكون حيضا على الاطلاق من غير العجائز فاما في العجائز فينظران وجدتها على الكرسف ومدة الوضع قريبة فهي حيض وإن كانت مدة الوضع طويلة لم يكن حيضا لان رحم العجوز يكون منتنا فيتغير الماء لطول المكث وما عرفت من الجواب في هذه الأبواب في الحيض فهو الجواب فيها من النفاس لأنها أخت الحيض (واما) خروجه فهو ان ينتقل من باطن الفرج إلى ظاهره إذ لا يثبت الحيض والنفاس والاستحاضة الا به في ظاهر الرواية وروى عن محمد في غير رواية الأصول ان في الاستحاضة كذلك فاما الحيض والنفاس فإنهما يثبتان إذا أحست ببروز الدم وان لم يبرز وجه الفرق بين الحيض والنفاس والاستحاضة على هذه الرواية ان لهما أعني الحيض والنفاس وقتا معلوما فتحصل بهما المعرفة بالاحساس ولا كذلك الاستحاضة لأنه لا وقت لها تعلم به فلا بد من الخروج والبروز ليعلم وجه ظاهر الرواية ما روى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها ان فلانة تدعو بالمصباح ليلا فتنظر إليها فقالت عائشة رضي الله عنها كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتكلف ذلك الا بالمس والمس لا يكون الا بعد الخروج والبروز (واما) مقداره فالكلام فيه في موضعين أحدهما في أصل التقدير انه مقدر أم لا والثاني في بيان ما هو مقدر به أما الأول فقد قال عامة العلماء انه مقدر وقال مالك انه غير مقدر وليس لا قله حد ولا لا كثرة غاية واحتج بظاهر قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى جعل الحيض أذى من غير تقدير ولان الحيض اسم الدم الخارج من الرحم والقليل خارج من الرحم كالكثير ولهذا لم يقدر دم النفاس ولنا ما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقل ما يكون الحيض للجارية الثيب والبكر جميعا
(٣٩)