ويحبس على ترك الواجب وعامة مشايخنا قالوا إنهما سنتان مؤكدتان لما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في قوم صلوا الظهر أو العصر في المصر بجماعة بغير أذان ولا إقامة فقد أخطؤا السنة وخالفوا وأثموا والقولان لا يتنافيان لان السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا السنة التي هي من شعائر الاسلام فلا يسع تركها ومن تركها فقد أساء لان ترك السنة المتواترة يوجب الإساءة وان لم تكن من شعائر الاسلام فهذا أولى الا ترى أن أبا حنيفة سماه سنة ثم فسره بالواجب حيث قال أخطأوا السنة وخالفوا وأثموا والاثم إنما يلزم يترك الواجب ودليل الوجوب حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضى الله تعالى عنه وهو الأصل في باب الاذان فإنه روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تفوتهم الصلاة مع الجماعة لاشتباه الوقت عليهم وأرادوا أن ينصبوا لذلك علامة قال بعضهم نضرب بالناقوس فكرهوا ذلك لمكان النصارى وقال بعضهم نضرب بالشبور فكرهوا ذلك لمكان اليهود وقال بعضهم نوقد نارا عظيمة فكرهوا ذلك لمكان المجوس فتفرقوا من غير رأى اجتمعوا عليه فدخل عبد الله بن زيد منزله فقدمت امرأته العشاء فقال ما أنا بآكل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهمهم أمر الصلاة إلى أن قال كنت بين النائم واليقظان إذ رأيت نازلا نزل من السماء وعليه بردان أخضران وبيده ناقوس فقلت له أتبيع منى هذا الناقوس فقال ما تصنع به فقلت أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضرب به لوقت الصلاة فقال ألا أدلك إلى ما هو خير منه فقلت نعم فوقف على حذم حائط مستقبل القبلة وقال الله أكبر الاذان المعروف إلى آخره قال ثم مكث هنيهة ثم قال مثل ذلك الا أنه زاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين قال فلما أصحبت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لرؤيا حق فالقها إلى بلال فإنه أندى وأمسد صوتا منك ومره ينادى به فلما سمع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أذان بلال خرج من المنزل يجر ذيل ردائه فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد طاف بي الليلة مثل ما طاف بعبد الله الا أنه سبقني به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله وانه لاثبت فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله أن يلقى الاذان إلى بلال ويأمره ينادى به ومطلق الامر لوجوب العمل وروى عن محمد بن الحنيفة انه أنكر ذلك ولا معنى للانكار فإنه روى عن معاذ وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمر رضي الله عنهم انهم قالوا إن أصل الاذان رؤيا عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه وهذا لان أصل الاذان وإن كان رؤيا عبد الله لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما شهد بحقيقة رؤياه ثبتت حقيقتها ولما أمره بأن يأمر بلالا ينادى به ثبت وجوبه لما بينا ولان النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في عمره في الصلوات المكتوبات ومواظبته دليل الوجوب مهما قام عليه دليل عدم الفرضية وقد قام ههنا * (فصل) * وأما بيان كيفية الاذان فهو على الكيفية المعروفة المتواترة من غير زيادة ولا نقصان عند عامة العلماء وزاد بعضهم ونقص البعض فقال مالك يختم الاذان بقوله الله أكبر اعتبارا للانتهاء بالابتداء (ولنا) حديث عبد الله بن زيد وفيه الختم بلا إله إلا الله وأصل الاذان ثبت بحديثه فكذا قدره وما يروون فيه من الحديث فهو غريب فلا يقبل خصوصا فيما تعم به البلوى والاعتماد في مثله على المشهور وهو ما روينا وقال مالك يكبر في الابتداء مرتين وهو رواية عن أبي يوسف اعتبارا بكلمة الشهادتين حيث يؤتى بها مرتين (ولنا) حديث عبد الله بن زيد وفيه التكبير أربع مرات بصوتين وروى عن أبي محذورة مؤذن مكة أنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان تسعة عشر كلمة والإقامة سبعة عشر كلمة وإنما يكون كذلك إذا كان التكبير فيه مرتين وأما الاعتبار بالشهادتين فنقول كل تكبيرتين بصوت واحد عندنا فكأنهما كلمة واحدة فيأتي بهما مرتين كما يأتي بالشهادتين وقال الشافعي فيه ترجيع وهو أن يبتدئ المؤذن بالشهادتين فيقول أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين يخفض بهما صوته ثم يرجع إليهما ويرفع بهما صوته (واحتج) بحديث أبي محذورة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ارجع فمد بهما صوتك (ولنا) حديث عبد الله بن زيد وليس فيه
(١٤٧)