ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان أو فهو لورثتي أو في ميراثي، وإن أكله أو أطعمه أو أتلفه أو وهبه أو تصدق به أو باعه، أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه، أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع ولا يعد من الرجوع جماع الجارية بخلاف ما لو أحبلها.
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشئ فأتلفه أو تصدق به أو وهبه أو بجارية فأحبلها أو أولدها أنه يكون رجوعا. وحكى عن أصحاب الرأي أن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة، ولأنه أزال ملكه عنه فكان رجوعا كما لو وهبه، وإن عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له أو كاتبه أو وصى بإعتاقه أو دبره كان رجوعا، لأنه يدل على اختياره للرجوع بعرضه على البيع وإيجابه للهبة ووصيته ببيعه أو إعتاقه لكونه وصى بما ينافي الوصية الأولى، والكتابة، بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وإن رهنه كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لأصحاب أحمد لأنه لا يزيل الملك فأشبه إجارته، وكذلك الحكم في الكتابة.
(فرع) وإن وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق فعجنه أو بعجين فخبزه أو بخبز ففته كان رجوعا، لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، فدل على رجوعه، وبهذا قال أحمد وأصحابه. أما تفتيته ودقه فقد قال أصحاب أحمد: يعد رجوعا ولا صحابنا فيه وجهان حكاهما المصنف.
وإن وصى بشئ معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا لأنه يتعذر بذلك تسليمه. وإن وصى بقفيز قمح من صبرة ثم خلطها بغيرها نظرت فإن كان بخير منها كان ذلك رجوعا لأنه أحدث فيه زيادة ليست من الوصية.
أما إذا خلطه بما دونه ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ان ذلك ليس رجوعا قياسا على ما إذا تلف بعضه فصار الباقي على وصته.