وهذا قول أنس وعطاء ويزيد بن عبد الملك والأوزاعي والليث وأبي ثور والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل.
وقال أصحاب الرأي: لا حكم للقافة، ويلحق بالمدعيين جميعا تعويل على مجرد الشبه والظن والتخمين، فإن الشبه يوجد بين الأجانب، وينتفى بين الأقارب ولهذا روى الشيخان أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال: هل لك من إبل، قال نعم، قال: فما ألوانها، قال حمر. قال:
فهل فيها من أورق، قال نعم، قال أنى أتاها ذلك، قال لعل عرقا نزع، قال:
وهذا لعل عرقا نزع) قالوا ولو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد الملاعنة، وفيما إذا أقر أحد الورثة بأخ فأنكره الباقون.
ودليلنا عليهم غير حديث مجزز قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد الملاعنة (انظروها فان جاءت به أحمش الساقين كأنه وجرة فلا أراه الا قد كذب عليها وان جاءت به أكحل جعدا جماليا سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو للذي رميت به، فأتت به على النعت المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا الايمان لكان لي ولها شأن (فقد حكم به النبي صلى الله عليه وسلم للذي أشبهه منهما، وقوله لولا الايمان لكان لي ولها شأن، يدل على أنه لم يمنعه من العمل بالشبه الا الايمان فإذا انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن زمعة حين رأى به شبها بينا بعتبة بن أبي وقاص (احتجبي منه يا سودة) فعمل بالشبه في حجب سودة عنه.
فان قيل: فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشبه فيهما بل ألحق الولد بزمعة، وقال لعبد بن زمعة هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر. ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في إقامة الحد عليها لشبه بالمقذوف، قلنا إنما لم يعمل في ابن زمعة لان الفراش أقوى، وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منه لا يوجب الاعراض عنه، إذا خلت عن المعارض وكذلك ترك إقامة الحد عليها من أجل أيمانها على ضعف الشبه عن إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن الحاق النسب، فان الحد في الزنا لا يثبت الا بأقوى البينات