(والثاني) المنع للاستغناء عنه بالإجارة، وقد عرفت أنه لا بد من كون العمل فيه كلفة أو مؤنة، كرد آبق أو ضال، أو أداء حج أو خياطة ثوب أو تعليم علم أو حرفة، أو إخبار فيه غرض وصدق فيه، فلو رد من هو بيده ولا كلفة فيه فلا شئ له، إذ مالا كلفة فيه لا يقابل بعوض فلو قال من دلني على مالي فله كذا فدله غير من هو بيده استحق، لان الغالب أنه تلحقه مشقة. قال الأذرعي ويجب أن يكون هذا فيما إذا بحث عنه بعد جعل المالك. أما البحث السابق والمشقة السابقة قبل الجعل فلا عبرة بهما ويلزم عدم التوقيت في الجعالة. لأنه لو قال من رد على ضالتي إلى شهر كذا فله كذا لو يصح كما في القراض، لان تقدير المدة مخل بمقصود العقد، فقد لا يظفر به فيها فيضيع سعيه ولا يحصل الغرض، سواء أضم إليه من محل كذا أم لا، وغير واجب على العامل.
فلو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من المال في يده لم يستحق شيئا لان ذلك واجب عليه شرعا، فلا يأخذ عليه عوضا. وكذا لو قال من رد مالي فله كذا فرده من هو في يده ويجب عليه رده. وقضيته أنه لو كان الدال أو الراد غير مكلف استحق.
وقد أفتى الامام النووي كما حكى ذلك صاحب نهاية المحتاج فيمن حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه وغيره بأنها جعالة مباحة، وأخذ عوضها حلال، ونقله عن جماعه، ثم قال وفى ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفا (قلت) فإذا كان العرف هو الذي يبنى عليه حد الإباحة والمنع في الجعالة فمقتضى العرف الذي نعلمه اليوم أن ذلك رشوة، فإذا كان صاحب جاه يستطيع أن يرفع ظلما وقع على إنسان بجاهه وجب عليه العمل على رفعه، وبذلك تبطل الجعالة، لأنها لا تكون إلا عوضا عما لا يجب على العامل. ومقتضى النصيحة والعمل لاحقاق الحق الذي يلزمه كل مسلم يمنع هذه الصورة التي أفتى بها النووي رحمه الله تعالى.
ولأنهم قالوا إن السعي والعمل وبذلك المجهود هي مع حصول المقصود توجب