دليلنا قوله تعالى (حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) وقد بينا الرشد ما هو، وهذا لم يؤنس منه الرشد فلم يفك عنه الحجر ولم يدفع إليه ماله، كما لو كان ابن أربع وعشرين سنة.
وأما قوله إنه آن له أن يصير جدا فلا اعتبار بكونه جدا، ألا ترى ان المجنون يستدام عليه الحجر ما دام مجنونا، وإن كان جدا، إذا ثبت هذا فإنه ينظر في ماله من كان ينظر فيه قبل البلوغ، لأنه حجر ثبت عليه من غير حاكم فكان إلى الناظر فيه قبل البلوغ، كالنظر في مال الصغير (فرع) وأما إصلاح المال فلا يعلم إلا بالاختبار، وفى وقت الاختبار وجهان (أحدهما) لا يصح إلا بعد البلوغ، لان الاختبار أن يدفع إليه المال ليبيع ويشترى فيه وينفقه. وهذا لا يصح إلا بعد البلوغ، فأما قبل هذا فهو محجور عليه للصغير والثاني يصح لقوله تعالى (وابتلوا اليتامى الخ) وهذا يقتضى أن يكون الاختبار قبل بلوغ النكاح ولان تأخير الاختبار إلى البلوغ يؤدى إلى الحجر على رشيد، لأنه قد يبلغ مصلحا لماله ودينه، فلو قلنا: إن الاختيار لا يجوز الا بعد البلوغ لاستديم الحجر على رشيد ومنع من ماله، لأنه لا يدفع إليه إلا بعد الاختبار فإذا قلنا بهذا فكيف يختبر بالبيع والشراء؟ فيه ثلاثة أوجه:
(أحدها) يأمره الولي أن يساوم في السلع ويقدر الثمن، وليس العقد، لان عقد الصبي لا يصح، ولكن يعقد الولي، ومنهم من قال يشترى الولي سلعة ويدعها بيد البائع ويواطؤه على بيعها من الصبي، فإن اشتراها منه بثمنها عرف رشده. ومنهم من قال يجوز عقد الصبي لأنه موضع ضرورة.
وأما كيفية الاختبار فإن كان من أولاد التجار وأصحاب المهن الذين يخرجون إلى السوق، فاختباره أن يدفع إليه شئ من ماله ليبيع ويشترى في السوق، أو تترك له مناسبة يباشر فيها مهنة أبيه مستقلا تحت نظر الولي واشرافه، فإن كان ضابطا جازما في البيع والشراء والحرفة دل على رشده، وان عيى عما لا يتغابن الناس بمثله فهو غير رشيد.