الذي لا مال له، فقد أخرج مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " أتدرون من المفلس. قالوا يا رسول المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال ليس ذلك المفلس. ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال. ويأتي وقد ظلم هذا ولطم هذا وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فان بقي عليه شئ أخذ من سيئاتهم فرد عليه ثم صك له صك إلى النار " فقولهم ذلك اخبار عن حقيقة المفلس والرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد نفى الحقيقة.
بل أراد أن فلس الآخرة أشد وأعظم بحيث يصير مفلس الدنيا بالنسبة إليه كالغنى وذلك نحو قوله صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب " وقوله صلى الله عليه وسلم " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس " وقوله " ليس السابق من سبق بعيره. وإنما السابق من غفر له " وقول الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الاحياء وسموه مفلسا لان ماله مستحق. وفى اصطلاح الفقهاء: من ديته أكثر من ماله وخرجه أكثر من دخله الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم. وقوله الأسيفع تصغير أسفع والأنثى سفعاء. والسفعة سواد مشرب بحمرة الأحكام: إذا كان على الرجل دين فلا يخلو اما أن يكون حالا أو مؤجلا.
فإن كان حالا فإن كان معسرا لم تجز مطالبته لقوله تعالى " فنظرة إلى ميسرة " ولا يجوز لغريمه ملازمته وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة ليس للغريم مطالبته ولكن له ملازمته فيسير معه حيث سار ويجلس معه حيث جلس الا أنه لا يمنعه من الاكتساب. وإذا رجع إلى داره فان أذن لغريمه بالدخول معه دخل معه وان لم يأذن له بالدخول كان للغريم منعه من الدخول دليلنا قوله تعالى " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " فأمر بانظار المعسر فمن قال إنه يلازمه خالف ظاهر الآية. وروى أن رجلا ابتاع ثمرة فأصب بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يف بما عليه. ثم قال تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يف بما عليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه " خذوا ما وجدتم