ما لكم غيره " وهذا نص، ولان كل من لا مطالبة له لم يجز ملازمته، كما لو كان الدين مؤجلا، فإن كان الذي عليه الدين يحسن صنعة لم يجبر على الاكتساب بها ليحصل ما يقضى به دينه.
وهذا من أعظم مقاصد الشريعة الغراء في أن الحرية الشخصية أثمن من كل شئ فلا يعدلها مال ولا دين، ولا يقيدها غريم ولا سلطان، بل إن اكتسب وحصل معه مال يفضل عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته قضى به الدين. وبه قال مالك وأبو حنيفة وعامة أهل العلم ما دام معسرا وقال أحمد وإسحاق بن راهويه يجبر على الاكتساب لقضاء الدين، وبه قال عمر بن العزيز وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي دليلنا حديث الرجل الذي ابتاع الثمرة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه أن يأخذوا ما معه وقال " خذوا ما وجدتم ما لكم غيره " ولم يأمره بالاكتساب لهم، ولان هذا إجبار على الاكتساب فلم يجب ذلك، كما لا يجبر على قبول الوصية، وكذلك لو تزوج امرأة بمهر كبير لم يجبر على طلاقهما قبل الدخول ليرجع إليه نصفه، فإن كان موسرا جازت مطالبته لقوله تعالى " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " فأوجب إنظار المعسر، فدل على أن الموسر لا يجب إنظاره، فإن لم يقضه أمره الحاكم بالقضاء، فإن لم يفعل - فإن كان له مال ظاهر - باع الحاكم عليه ماله وقضى الغريم، وان قضى الحاكم الغريم شيئا من مال من عليه الدين جاز، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة لا يجوز أن يبع ماله عليه ولكن يحبسه حتى يقضى الدين بنفسه وإن كان الدين مؤجلا لم يجز مطالبته به قبل حلول الأجل، لان ذلك يسقط فائدة التأجيل، فإذا أراد أن يسافر قبل حلول الدين سفرا يزيد على الأجل نظرت فإن كان لغير الجهاد لم يكن للغريم منعه ولا مطالبته بأن يقيم له كفيلا يدينه ولا أن يعطيه رهنا.
قال الشافعي رضي الله عنه: ويقال له حقك حيث وضعته، يعنى أنك رضيت حال العقد أن يكون مالك عليه بلا رهن ولا ضمين، وحكى أصحابنا عن مالك رحمه الله أنه قال: له مطالبته بالكفيل أو الرهن