قول الجمهور، والتقييد بالآية في السفر " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في الحضر، وأيضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبا إلا فيه، وخالف مجاهد والضحاك فقالا: لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر، والأحاديث ترد عليهم. وقال ابن حزم: إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك، وان تبرع به الراهن جاز، وحمل أحاديث الباب على ذلك.
قال العمراني في البيان:
دليلنا على جوازه في الحضر ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقترض من أبى الشحم اليهودي ثلاثين صاعا من شعير لأهله بعد ما عاد من غزوة تبوك بالمدينة، ورهن عنده درعه فكانت قيمتها أربعمائة درهم، ففي هذا الخبر فوائد (منها) جواز الرهن لان النبي صلى الله عليه وسلم رهن.
(ومنها) جواز الرهن في الحضر، لان ذلك كان بالمدينة وكانت موطن النبي صلى الله عليه وسلم.
(ومنها) أنه يجوز معاملة من في ماله حلال وحرام إذا لم يعلم عين الحلال والحرام، لان النبي صلى الله عليه وسلم عامل اليهودي، ومعلوم أن اليهود يستحلون ثمن الخمر ويربون.
(ومنها) أن الرهن لا ينفسخ بموت الراهن، لان النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة.
(ومنها) أن الابراء يصح وأن يقبل المبرأ، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعدل عن معاملة مياسير الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مثل عثمان وعبد الرحمن رضي الله عنهما وأرضاهما إلا لأنه كان يعلم أنه لو استقرض منهم أبروه، فلو كانت البراءة لا تصح إلا بقبول المبرأ لكان لا تقبل البراءة فعدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودي الذي يعلم أنه يطالبه بحقه، ولأنه وثيقة في السفر فجازت في الحضر كالضمان والشهادة اه.
وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف في الرهن في الحضر إلا مجاهدا قال: