إنما نشترط اجتماع العلوم المذكورة في مفت مطلق في جميع أبواب الشرع فأما مفت في باب خاص كالمناسك والفرائض يكفيه معرفة ذلك الباب كذا قطع به الغزالي وصاحبه ابن برهان بفتح الباء وغيرهما ومنهم من منعه مطلقا وأجازه ابن الصباغ في الفرائض خاصة والأصح جوازه مطلقا * (القسم الثاني) المفتى الذي ليس بمستقل ومن دهر طويل عدم المفتى المستقل وصارت الفتوى إلى المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة * وللمفتى المنتسب أربعة أحوال أحدها أن لا يكون مقلدا لامامه لا في المذهب ولا في دليله لاتصافه بصفة المستقل وإنما ينسب إليه لسلوكه طريقه في الاجتهاد وادعى الأستاذ أبو إسحاق هذه الصفة لأصحابنا فحكى عن أصحاب مالك رحمه الله واحمد وداود وأكثر الخفية انهم صاروا إلى مذاهب أئمتهم تقليدا لهم ثم قال والصحيح الذي ذهب إليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا وهو انهم صاروا إلى مذهب الشافعي لا تقليدا له بل لما وجدوا طرقه في الاجتهاد والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه فطلبوا معرفة الأحكام بطريق الشافعي: وذكر أبو علي السنجي بكسر السين المهملة نحو هذا فقال اتبعنا الشافعي دون غيره لأنا وجدنا قوله أرجح الأقوال وأعدلها لا انا قلدناه (قلت) هذا الذي ذكراه موافق لما أمرهم به الشافعي ثم المزني في أول مختصره وغيره بقوله مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره: قال أبو عمرو دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم ولا يلائم المعلوم من حالهم أو حال أكثرهم: وحكى بعض أصحاب الأصول منا انه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل * ثم فتوى المفتى في هذه الحالة كفتوى المستقل في العمل بها والاعتداد بها في الاجماع والخلاف (الحالة الثانية) أن يكون مجتهدا مقيدا في مذهب امامه مستقلا بتقرير أصوله بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول امامه وقواعده: وشرطه كونه عالما بالفقه وأصوله وأدلة الأحكام تفصيلا بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني تام الارتياض في التخريج والاستنباط قيما بالحاق ما ليس منصوصا عليه لامامه بأصوله: ولا يعرى عن شوب تقليد له لا خلافه ببعض أدوات المستقل بان يخل بالحديث أو العربية وكثيرا ما أخل بهما المقيد ثم يتخذ نصوص امامه أصولا يستنبط منها كفعل المستقل بنصوص الشرع: وربما اكتفى في الحكم بدليل إمامه ولا يبحث عن معارض كفعل المستقل في النصوص: وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه وعليها كان أئمة أصحابنا أو أكثرهم: والعامل بفتوى هذا مقلد لامامه لا له ثم ظاهر كلام الأصحاب ان من هذا حاله لا يتأدى به فرض الكفاية: قال أبو عمرو ويظهر تأدى الفرض به في الفتوى وإن لم يتأد في احياء العلوم التي منها استمداد الفتوى لأنه قام مقام إمامه المستقل تفريعا على الصحيح وهو جواز تقليد الميت ثم قد يستقل المقيد في مسألة أو باب خاص كما تقدم: وله ان يفتى فيما لا نص فيه لامامه بما يخرجه على أصوله هذا هو الصحيح الذي عليه العمل واليه مفزع المفتين من مدد طويلة ثم إذا أفتى بتخريجه فالمستفتي مقلد لامامه لا له هكذا قطع به إمام الحرمين في كتابه الغياثي وما أكثر فوائده. قال الشيخ أبو عمرو وينبغي ان يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره ان ما يخرجه أصحابنا هل يجوز نسبته إلى الشافعي والأصح انه لا ينسب إليه: ثم تارة يخرج من نص معين لامامه
(٤٣)