وبالجملة فرض عدم التراب لفرض عدم وجود الأرض اليابسة لا لموضوعية التراب مقابل وجه الأرض (فح) إن أمكن الالتزام بمضمونهما فلا محيص عن اعتبار المراتب فيما يتيمم به ترابا كان أو غيره، فالتراب اليابس والأرض اليابسة مقدم على غيرهما والأجف مقدم على غيره، ومع عدم امكانه كما هو الحق لا بد من حملهما على مراتب الفضل.
وربما يأتي الكلام فيها، فتحصل من جميع ما ذكرنا أن مقتضى الأدلة صحة التيمم اختيارا بمطلق وجه الأرض، وأنه المراد من الصعيد في الآية.
بقي الكلام فيما نسب إلى ناصريات السيد من دعوى كون الصعيد هو التراب بل دعواه الاجماع عليه وكذا في اجماع الغنية ولا بأس بذكر عبارتهما حتى يتضح حال النسبة.
قال في الناصريات بعد كلام من الناصر: والذي يذهب إليه أصحابنا أن التيمم لا يكون إلا بالتراب أو ما جرى مجرى التراب مما لم يتغير تغييرا يسلبه اطلاق اسم الأرض عليه، ويجوز التيمم بغبار الثوب وما أشبهه إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه، ثم حكى أقوال العامة وتجويز أبي حنيفة التيمم بالزرنيخ والكحل، والنورة ومالك بالشجر وما يجري مجراه، ثم قال: دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتقدم ذكره، ويزيد عليه قوله تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " والصعيد هو التراب، وحكى ابن دريد في كتاب الجمهرة عن أبي عبيدة معمر ابن المثنى أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ، وقول أبي عبيدة حجة في اللغة، والصعيد لا يخلو أن يراد به التراب أو نفس الأرض، وقد حكي أنه يطلق عليها أو يراد ما تصاعد على الأرض، فإن كان الأول فقد تم ما أردناه وإن كان الثاني لم يدخل فيه ما ذهب إليه أبو حنيفة، لأن الكحل والزرنيخ لا يسمى أرضا بالاطلاق كما لا يسمى ساير المعادن من الذهب والفضة والحديد بأنه أرض، وإن كان الصعيد ما تصاعد على الأرض لم يخل من أن يكون ما تصاعد عليها هو منها وتسمى