والخوف على النفس من البرد إما ظاهر في خوف التلف أو أعم منه فشموله له هو القدر المتيقن، فحينئذ لا يمكن حمل النهي عن الاغتسال والأمر بالتيمم على رفع الوجوب والترخيص، بدعوى أن النهي في مقام توهم الوجوب والأمر في مقام توهم الحظر، ضرورة أنه مع الخوف على النفس من الهلاك لا يمكن الترخيص، و تجويز الالقاء في الهلكة فلا أقل من كون المقام في نظر السائل من قبيل الدوران بين المحذورين لأجل خوف الضرر والتلف، فلا يرفع اليد معه عن ظاهر النهي والأمر فحينئذ يقتضي ذكر القروح والجروح مع خوف النفس أن يكون الأمر بالتيمم و النهي عن الغسل في جميعها على نسق واحد وهو العزيمة.
وأما صحيحة محمد بن مسلم " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب؟ قال: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم " (1) وقريب منها روايته الأخرى - والظاهر وحدتهما - لا تقاوم الروايات المتقدمة، فإن غاية ما في نفي البأس الاشعار بالترخيص لا الدلالة عليه، فنفي البأس إنما هو لرفع توهم عدم جواز ترك الغسل، فهو نص في جواز ترك الغسل وأما لزوم التيمم وكونه على وجه العزيمة أو كونه على وجه الرخصة فلا تعرض فيها له لو لم نقل بظهورها في العزيمة أخذا بقوله " يتيمم " فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الأدلة به، مع أن كثيرا ما يعبر بمثله في مورد لزوم فعله كما في روايات التيمم بالطين إذا لم يجد غيره، كقول أبي جعفر عليه السلام:
" إذا كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به " (2) مع لزومه عند عدم وجدان غيره.
ثم إن هذه الطائفة وإن وردت في الغسل لكن يستفاد منها حكم الوضوء بلا ريب، فإن الأمر بالتيمم إنما هو لخوف الضرر الأعم من الهلاك، فإذا خاف على نفسه في الوضوء كخوفه في الغسل بتعين التيمم، ويستفيد العرف من الروايات حكمه ولعل ذكر الغسل لأجل كون الخوف غالبا فيه.