ثم ان نهى الشارع عن الإضرار لا يوجب قلع مادة الإضرار حتى تصح تلك الدعوى، كما ان حكم الشارع بلزوم التدارك لا يوجب نفى الضرر بل الانتهاء الواقعي يوجبه، فهذا الوجه والوجه الذي جعله الشيخ العلامة قدس سره أردأ الاحتمالات شقيقان في ورود الإشكال عليهما مع ورود إشكالات اخر عليه، وبالجملة لا مصحح لدعوى نفى الضرر والضرار لا مطلقا ولا في الإسلام وفي صفحة التشريع.
ودعوى ان الأمثلة المذكورة ليست ضررية كدعوى ان الحديث ليس ناظرا إليها وانه حاكم على الأدلة التي بإطلاقها موجبة للضرر كالوضوء والصوم الضرريين، لا التي بتمام هويتها ضررية، وان ما يكون الضرر يقتضيه لا يمكن ان ينفيه كما ترى، فان الكلام في مصحح دعوى نفى الحقيقة، فهل يجوز دعوى نفى حقيقة الضرر عن صفحة الكون أو عن صفحة التشريع مع شيوعه في الخارج وكثرة الأحكام الضررية في صفحة الشريعة، فمن كانت صفحة تشريعه مملوة من الأحكام الضررية مما هو أساس أحكامه وقوام شريعته، كيف يدعى عدم حقيقة الضرر والضرار، وكيف ينزل الأحكام التي هي كالأصول منزلة العدم، وعندي ان هذا الوجه أردأ الوجوه وان هذه الدعوى من أبرد الدعاوي وأقبحها مما لا يمكن حمل الكلام العادي عليه فكيف بكلام صدر ممن هو أفصح من نطق بالضاد وما ذكرنا من إمكان دعوى الانصراف مع عدم سلامته من المناقشة لا يخرج الكلام من البرودة، والدعوى من القبح، مع ان إضرار الناس بعضهم بعضا، مع هذا الشيوع والكثرة يكفى في فساد هذا الوجه وبرودة هذه الدعوى، هذا حال الاحتمال الأول الذي اختاره العلامة الأنصاري وجل من تأخر عنه رحمهم الله باختلاف تعبيراتهم.
واما الاحتمال الثاني الذي نسبه الشيخ إلى بعض الفحول فقد اتضح ضعفه بما ذكرنا وما أورد عليه الآخرون، واما الاحتمال الثالث الذي اختاره شيخ الشريعة رحمه الله فهو أقرب الاحتمالات الثلاثة وسليم عن الإشكالات المتقدمة لكن الشأن في ظهور الكلام فيه كما ادعى.