التسهيل على العباد لكثرة وقوع الشك بعد العمل بل نكتة الجعل ان الإنسان لما كان حين العمل أقرب إلى الحق واذكر في إتيان العمل على وجهه تعبد الشارع بالبناء على إتيان العمل المشكوك فيه في محله وان الفاعل لم يتجاوز عن المحل إلا وقد أتى بما هو وظيفته.
ويدل عليه قوله في موثقة بكير بن أعين: «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك» حيث يظهر منها ان وجه عدم الاعتناء بالشك ان الآتي بالعمل حين اشتغاله به اذكر منه بعده ومع كونه ذاكرا أتى به على وجهه، وقوله في رواية محمد بن مسلم المتقدمة:
«وكان حين انصراف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» والمراد من حين الانصراف حين الاشتغال بالسلام لكون الانصراف هو السلام في لسان الروايات، ويظهر منه ان عدم الاعتناء بالشك بعد العمل انما هو لأجل أقربيته إلى الحق حين العمل فلا محالة أتى به على وجهه، وقوله في صحيحة حماد بن عثمان المنقولة في أبواب الركوع (1) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشك وانا ساجد فلا أدري ركعت أم لا فقال قد ركعت امضه» تدل على ان الآتي بالمأمور به قد أتى بوظيفته في محله ويكون هذا نكتة التعبد بعدم الاعتناء بالشك إلى غير ذلك من الروايات (وبالجملة) يستفاد منها ان قاعدة التجاوز ليست مجعولة لمحض التسهيل بل لكون المكلف يأتي بالعمل على طبق وظيفته ويكون حين العمل اذكر منه حين يشك، فحينئذ نقول:
يتضح مما ذكر ان الدخول في الغير غير دخيل في موضوع الحكم وان تمام الموضوع للحكم بعدم الاعتناء بالشك هو ان المكلف الذاكر يأتي بوظيفته حين اشتغاله بالعمل فإذا تجاوز عن المحل يتحقق موضوع القاعدة، دخل في الغير أولا، ولا يكون الدخول في الغير دخيلا في الحكم حتى فيما كان محققا للتجاوز، وبعد التنبيه بما ذكرنا لا يفهم القيدية من قوله في صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر: (دخلت) أو (دخل في غيره) فيكون ذكر الدخول في الغير لتحقق التجاوز نوعا به لا لدخالته في موضوع الحكم.