التكويني مقياسا للأمور التشريعية فقايس الأمور التشريعية بالأمور التكوينية، فذهب إلى امتناع جعل الجزئية والشرطية والمانعية للمأمور به ورفعها عنه استقلالا، وزعم ان جعلها بجعل منشأ انتزاعها كالأمور التكوينية، مع ان القياس مع الفارق.
وتوضيح ذلك ان الأمور الاعتبارية تابعة لكيفية اعتبارها وجعلها، فقد يتعلق الأمر القانوني على طبيعة أولا على نحو الإطلاق لاقتضاء في ذلك، ثم حدثت مصلحة بان يجعل لها شرط أو يجعل لها قاطع ومانع بلا رفع الأمر القانوني الأول، فلو قال المولى:
أقيموا الصلاة، ثم قال: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق أو قال يشترط في الصلاة الوضوء أو القبلة، أو قال: لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه أو لا تصل في الثوب النجس، ينتزع منها الشرطية والمانعية، فهل ترى انه يلزم ان يرفع الأمر الأول وينسخه ثم يأمر بالصلاة مع التقيد بالشرط أو عدم المانع، وأي مانع من جعل الوجوب للطبيعة المطلقة بحسب الجعل الأولى ثم يجعلها مشروطة بشيء بجعل مستقل أو يجعل شيئا مانعا لها بنحو الاستقلال لاقتضاء حادث كما غير الله قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام، فهل كان قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله: فول وجهك شطر المسجد الحرام (1) من قبيل نسخ حكم الصلاة رأسا وإبداء حكم آخرا وكان الجعل متعلقا، ومجرد كون المنتزعات التكوينية تابعة لمناشى انتزاعها لا يوجب ان تكون الشرائط والموانع التشريعية كذلك وكذا الكلام في إسقاط شرط أو مانع، وبالجملة تلك الأمور الاعتبارية والجعلية كما يمكن جعلها بتبع منشأ انتزاعها يمكن جعلها مستقلا بلا إشكال وريب كما يمكن إسقاطها كذلك.
نعم ان الإرادة الواقعية إذا تعلقت بطبيعة لا يمكن ان تنقلب عما هي عليه من زيادة جزء أو شرط أو مانع أو إسقاطها مع بقائها على ما هي عليه لأن تشخصها بتشخص المراد فلا يمكن بقاء الإرادة مع تغير المراد، بخلاف الأمور القانونية فإنها تابعة لكيفية تعلق الجعل بها، هذا حال الشروط والموانع وكذا حال إسقاط الجزئية فلو قال المولى: أسقطت جزئية الحمد للصلاة، يصير ساقطا مع بقاء الأمر القانوني.