وعاء العين ولا في وعاء الاعتبار، فالعلية لا تقبل الإيجاد التكويني فضلا عن الإنشاء التشريعي.
هذا ما ذكره بعض أعاظم العصر رحمه الله في وجه عدم إمكان جعل السببية وفيه مضافا إلى خلطه بين لوازم الماهية ولوازم الوجود، وخلطه بين المحمول بالضميمة وخارج المحمول، وخلطه بين السببية أي الخصوصية التي يصير المبدأ بها مبدأ فعليا للمسبب وبين الرشح والإفاضة أي المسبب بما انه مسبب: انه خلط بين الأسباب التكوينية والأسباب التشريعية وقاس التشريع بالتكوين بلا وجه، فان نحو السببية التكوينية سواء كانت بمعنى مبدئية الإفاضة أو نفس الرشح والإفاضة لا يكون في التشريعيات مطلقا فلا يكون العقد مترشحا منه الملكية أو الزوجية والتحرير مترشحا منه الحرية، كما لا تكون في العقود والإيقاعات خصوصيات بها تصير منشئا لحقائق المسببات، اما عدم المنشئية لأمر حقيقي تكويني فواضح.
واما عدم صيرورتها منشئا حقيقيا للاعتبار، فلان الاعتبارات القائمة بنفس المنشأ أو العقلاء أو الشارع، لها مناشئ تكوينية لا تكون العقود والإيقاعات أسبابا لتكونها فيها، فالسببية للأمور التشريعية والاعتبارات العقلائية انما هي بمعنى آخر غير السببية التكوينية، بل هي عبارة عن جعل شيء موضوعا للاعتبار، فالمقنن المشرع إذا جعل قول الزوج: هي طالق، مع الشرائط المقررة في قانونه سببا لرفع علقة الزوجية يرجع جعله وتشريعه إلى صيرورة هذا الكلام مع الشرائط موضوعا لاعتبار فسخ العقد ورفع علقة الزوجية، ولأجل نفوذه في الملة يصير نافذا، فقبل جعل قول الزوج سببا لحل العقد لا يكون قوله: أنت طالق، سببا له وموضوعا لإنفاذ الشارع المقنن، وبعد جعل السببية له يصير سببا وموضوعا لاعتباره القانوني المتبع في ملته وقومه من غير تحقق رشح وإفاضة وخصوصية، فالسببية من المجعولات التشريعية «نعم» للشارع والمقنن ان يجعل المسببات عقيب الأسباب، وان يجعل نفس سببية الأسباب للمسببات، والثاني أقرب بالاعتبار في المجعولات القانونية - فتدبر.