وقوة التمثيل ثم في قوة البيان عما ثاهدوه ووثقوا به. فمنهم من لحظ هذا التكافؤ في بعض مظاهر الكائنات فأعلن عن ذلك إعلانا فيه بعض البيان عن الحقيقة. ومنهم من رآه في مظاهر الكون الصامت جميعا ولكنه لم يستشعر له نتائج محسوسة في مجرى الوجود ولم يجد له خطا موازيا في مظاهر الكون الحي. ومنهم من لحظه في الطبيعة الصامتة واستشعر له نتائج محسوسة في مجرى الوجود ورأى له خطا موازيا في الكائنات الحية وأعلن عنه بأجلى بيان وأوثق كلام. من هذا الفريق علي بن أبي طالب. بل قل إنه في طليعة هذا الفريق من المفكرين الأوائل لأنه كاد يثبت هذه النظرية على نهج سليم قويم لا يتعارض ولا يتناقض ولا مهرب لبعضه من بعض. بل قل إنه فعل ذلك وأبدع.
ولعل موقف ابن أبي طالب مما لحظه ورآه من مظاهر التكافؤ في الوجود أجل من مواقف زملائه المفكرين من الناحية العملية. وذلك بما ألح عليه من تأكيد لهذه الحقيقة، توصلا إلى ما يترتب عليها من نتائج في حياة الناس أفرادا وجماعة. وهذا الواقع ينسجم كل الانسجام مع محور الفلسفة العلوية الذي هو: الإنسان.
قلنا إن عليا يرى الوجود متكافئا ما نقص منه شئ هنا إلا وزاد فيه شئ هناك، وأن هذا النقص وهذه الزيادة يتساويان لا زيادة إلا بمقدار النقص ولا نقص إلا بقدر الزيادة.
فيقول أول ما يقول، منبها الإنسان إلى هذه الحقيقة عن طريق ألصق الأشياء به، أي عن طريق وجوده ذاته:
(ولا يستقبل يوما من عمره إلا بفراق آخر من أجله!) وهل من خاطرة في ذهن إنسان يمكنها أن تدحض هذه الحقيقة التي تعرض تعادلية الوجود بأبسط ما يراه المرء من حال الوجود؟ ثم هل من قاعدة رياضية من قواعد الهندسة والجبر ألصق بالحقائق الثابتة، وأدل على الواقع المطلق، وأوجز في تبيان الثابت والمطلق، من هذه الآية التي يصور بها ابن أبي طالب تعادلية الوجود من خلال الكائن الحي، ومن أيامه؟ وإذا قال لي قائل إن هذه الفكرة معلومة يعرفها الناس كل الناس، فعن أية حقيقة جديدة يكشف ابن أبي طالب في زعمك إذن؟ قلت: إن الكشف عن الحقائق الخافية لا يستلزم السكوت عن الحقائق الظاهرة إذا كانت هذه أصلا لتلك، أو تلك أصلا لهذه