روائع نهج البلاغة - جورج جرداق - الصفحة ٤٩
وإن ابن أبي طالب لم يسم هذا (اليسير) يسيرا إلا لأنه هكذا كان في أنظار الناس بزمانه وفي آرائهم. ولم يسم هذا (الكثير) كثيرا إلا للعلة ذاتها. وهو يعلم أنهم مخطئون، وأن ما يرونه يسيرا قد لا يكون كذلك. وأن ما يرونه كثيرا قد يخف في ميزان الحق. أما هو، فقد كان يستشعر قيمة الحياة في قوة وجلاء، ويستشعر إمكاناتها العظيمة بجميع الأحياء، ويستشعر أن للكون إرادة عادلة في تقييم الحياة حيث كانت، وفي احترام الأحياء حيث هم، فيطلق العبارات الحكيمة التي أشرنا إليها. ويطلق الكثيرات غيرها. حتى إذا غالى المغالون وأنكروا أن لليسير مثل هذه القيمة وهذه الإمكانات على النمو، توجه إليهم يقول: (وإن أكثر الحق في ما تنكرون!).
ثم إن حقيقة أخرى يقررها علي بكلمته هذه: (... وليس امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون، بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه. هي أن كل إنسان يمكنه أن ينفع مجتمعه وينتفع به، أية كانت موهبته، وبالغة إمكاناته ما بلغت من الضآلة.
وفي هذه النظرة إلى الإنسان الضئيل الحظ من المواهب، توضيح لما في خاطر علي من الإيمان العميق بالعدالة الكونية التي تجعل من قطرات الماء بحرا خضما ومن ذريرات الرمال صحارى وفلوات، كما تجعل كل قليل داخلا في الكثير، وكل صغير مستندا للكبير.
وفيها توضيح لطبيعة الحياة الخيرة تحنو على أبنائها وتجعل كلا منهم في إطار من خيرها فلا تغبنه ولا تقسو عليه.
وفيها الدليل على هذا الحنان العميق الذي كان علي يغمر به الأحياء فلا يرى فيهم إلا بشرا جديرين بأن يحيوا الحياة كلها، ويفيدوا من خيرها، ويعاونوا ويعانوا.
وإنك واجد صورة لهذه النظرة العلوية الواثقة بعدالة الكون وخير الحياة، المؤمنة بإمكانات الإنسان - أيا كان - على أن يكون شيئا كريما، في أدب جان جاك روسو الذي يدور حول محور من الثقة بعدالة الطبيعة وخير الحياة.
وكأني بابن أبي طالب قد خص هؤلاء الذين (تصغرهم النفوس وتقتحمهم العيون) بالسهم الأوفر من اهتمامه ساعة خاطب الناس قائلا: (إن الله لم يخلقكم عبثا) أو ساعة
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 5
2 في أدب الإمام 7
3 حدود العقل والقلب 9
4 الوحدة الوجودية 17
5 الأسلوب والعبقرية الخطابية 27
6 العدالة الكونية وما يمثله علي منها 37
7 تكافؤ الوجود 39
8 الحنان العميق 55
9 صدق الحياة 61
10 خير الوجود وثورية الحياة 68
11 الفاتحة العلوية 81
12 الفاتحة العلوية 83
13 طائفة من رسائله وعهوده ووصاياه 87
14 عبادة الأحرار 89
15 أيها الناس 89
16 يا أبا ذر 90
17 كلما اطمأن 91
18 السلام عليك يا رسول الله 91
19 أفضل الناس وشرهم 92
20 استأثر فأساء الأثرة 93
21 أنا كأحدكم 94
22 الحق لا يبطله شيء 95
23 أسفلكم أعلاكم 96
24 عفا الله عما سلف 97
25 الرشوة 97
26 إن لم تستقيموا 98
27 أنصفوا الناس 99
28 أأطلب النصر بالجور 99
29 الناس متساوون في الحق 100
30 إلى أصحاب الجمل 101
31 أخرج من جحرك 102
32 قيام الحجة 102
33 أراد أن يغالط 103
34 وإني لصاحبهم 104
35 إلام أجيب؟ 105
36 في لجة بحر 107
37 قتلوهم صبرا وغدرا 107
38 الذين قاتلوني 108
39 بكم ذوو كلام 108
40 لا تنتقم من عدو 109
41 النساء 110
42 أرباب سوء 110
43 لا مدر ولا وبر 111
44 رحب البلعوم 112
45 نهم الأثرياء 112
46 مع الحق 113
47 ناقل التمر إلى هجر 113
48 اتق الله 114
49 أرديت جيلا من الناس 115
50 خدعة الصبي 115
51 سبحان الله يا معاوية 116
52 يغدر ويفجر 116
53 ثمن البيعة 117
54 أكلة الرشا 117
55 أذهبت دنياك وآخرتك 118
56 لأشدن عليك 118
57 متمرغ في النعيم 119
58 إحذر معاوية 119
59 الناس عندنا أسوة 120
60 يا أشباه الرجال 120
61 لو ضربته بسيفي 122
62 أقولا بغير علم 123
63 لا أصلحكم بإفساد نفسي 123
64 الرأي مع الأناة 124
65 لقد سئمت عتابكم 125
66 بقاء الدولة 126
67 السلم أولى 128
68 الوصية الشريفة 129
69 اللهم جنب المنتصر البغي 129
70 اللهم اصلح ذات بيننا وبينهم 130
71 ونطق بألسنتهم 131
72 جعلوهم حكاما على الرقاب 131
73 صنفان 132
74 أئمة العدل 133
75 لو أعطيت الأقاليم السبعة 134
76 تحركه العواصف 135
77 لولا تخمة الظالم وجوع المظلوم 135
78 أهل الحيلة 137
79 أنت وأخوك الإنسان 137
80 أنصتوا لقولي 140
81 تركا الحق وهما يبصرانه 141
82 أنا نذيركم 142
83 أين العمالقة 143
84 أين عمار 144
85 الكبر والتعصب والبغي 145
86 الدنيا تطوى من خلفكم 147
87 دستور الولاة 148
88 حدود الضريبة 162
89 السفهاء والتجار 163
90 المرتشي في الحكم 164
91 مع المظلوم 165
92 المال للناس 165
93 أمانة 166
94 لأضربنك بسيفي 166
95 الوالي والرشوة 167
96 الوالي والهوى 169
97 أخفض جناحك 169
98 علم الجاهل 170
99 الوالي الخائن 171
100 الأخلاق الكريمة 171
101 أهل الجشع وأهل الفقر 172
102 القاضي الجاهل 173
103 يحكم برأيه 174
104 وعالمهم منافق 175
105 يعملون في الشبهات 175
106 زجر النفس 176
107 إياك 176
108 الرضا والسخط 177
109 النفاق والظلم 177
110 العشيرة 178
111 طبائع الإنسان 179
112 الزمن وأهله 179
113 كم من صائم 180
114 أصناف الناس 180
115 مع كل ريح 182
116 رب صغير غلب كبيرا 182
117 سراجه بالليل القمر 183
118 على منهاج المسيح 183
119 لا تقولوا بما لا تعرفون 184
120 منطقهم الصواب ومشيهم التواضع 185
121 المنافقون 187
122 كان عليهم سرمدا 188
123 تحمله على أهوالها 189
124 كانوا أطول أعمارا 189
125 ويل لسكككم العامرة 191
126 اللهم قد انصاحت جبالنا 191
127 الغيبة 193
128 يذهب اليوم ويجيء الغد 193
129 آه من بعد السفر 194
130 طبيعة الوجود 195
131 وأجرى فيها قمرا منيرا 195
132 تلاطم الماء 196
133 خلقة الخفاش 197
134 خلقة الطاووس 198
135 خلقة النملة 201
136 خلقة الجرادة 202
137 اغفر لي 203
138 ماذا لقيت؟ 203
139 العفو عن القاتل 204
140 مظلوم 204
141 الأثوار الثلاثة 205
142 طائفة من روائع أمثاله 207