ولما كانت النفس محجوبة عن مزيتها بكثافة المادة بقدر ارتباطها وعلاقها بماديتها صارت تستطيع إلى ما يحجب عنها (وهي القوانين التي تشير إليها) من خلال ذلك الحجاب من ناحية الحواس التي هي آلة لأعمال مزيتها فيكون الاحساس والتجربة بقليل من الأفراد بمنزلة التجسس على المطلوب من خلال الحجاب وتكون الحواس بمنزلة النوافذ من الحجاب تعبر النفس منها بالتحسس إلى إدراكاتها وتعليلها وعموماتها ويقينها ومزاياها الخاصة بها. فليست الحواس هي الآلة لتلك الادراكات والقوانين اليقينية بل إنما هي معبر للنفس إليها.
وننبهك ثانيا أنه يكفيك في إثبات النفس لمزيتها واستقلالها قانون واحد تستقل بإدراكه من دون مداخلة لحس أو تجربة فكيف ولها من ذلك قوانين وإدراكات وأحكام يقينية كثيرة.
وأيضا ترى النفس في حال ارتباطها بالبدن واتحادها به وإدارة شؤونه في حياته ونموه وحواسه وحاجياته يكون لها جهتان تتغالب آثارهما. جهة جسمانية وشهوانية وغضبية ينبعث منها حجاب الجهل والنزوع إلى الشخصيات. وجهة روحانية عقلية تشع بالشعور والادراك وترى النوعيات والحقائق الصالحة.
فترى من نتائج ذلك التغالب لأعمالها أقساما:
(منها) ما يقوم بآلية الجسد أي بالحواس الظاهرة والباطنة فتراه يقوى بقوة الآلة الجسدية ويضعف بضعفها ويأخذ بالضعف نوعا بعد سن الوقوف وذلك كالإحساسات الجزئية والحفظ والتذكير.
(ومنها) ما تستقل به النفس وتدافع به الحجاب فهو يقوى بعد سن الوقوف وتخلخل الحجاب المادي ويكون حينئذ أدق وأتقن وأكمل وأوصل إلى الحقائق وذلك كالتعليل وإدراك القوانين العامة أمهات العلم وأساس التعليم والتعلم.
(ومنها) ما يحتاج في مدافعة الحجاب إلى التجربة والتفكير فإنه