ذكر عنهم وجهين:
الأول: اتفاق العقلاء على حسن الصدق النافع وقبح الكذب المضر.
وكذلك حسن الإيمان وقبح الكفران، وغير ذلك، مع قطع النظر عن كل حالة تقدر من عرف أو شريعة أو غير ذلك، فكان ذاتيا والعلم به ضروري.
الثاني: إنا نعلم أنه من استوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب وقطع النظر في حقه عن الاعتقادات والشرائع وغير ذلك من الأحوال، فإنه يميل إلى الصدق، ويؤثره وليس ذلك إلا لحسنه في نفسه.
وكذلك نعلم أن من رأى شخصا مشرفا على الهلاك وهو قادر على إنقاذه، فإنه يميل إليه، وإن كان بحيث لا يتوقع في مقابل ذلك حصول غرض دنيوي ولا أخروي، بل ربما كان يتضرر بالتعب والتعني وليس ذلك إلا لحسنه في ذاته.
ثم ذكر إلزامات العدلية، وقال:
وأما من جهة الإلزام، فهو أنه لو كان السمع، وورود الأمر والنهي، هو مدرك الحسن والقبح، لما فرق العاقل بين من أحسن إليه وأساء، ولما كان فعل الله حسنا قبل ورود السمع، ولجاز من الله الأمر بالمعصية، والنهي عن الطاعة، ولجاز إظهار المعجزة على يد الكذاب، ولامتنع الحكم بقبح الكذب على الله تعالى قبل ورود السمع، ولكان الوجوب أيضا متوقفا على السمع، ويلزم من ذلك إفحام الرسل من حيث إن النبي إذا بعث وادعى الرسالة، ودعا إلى النظر في معجزته، فللمدعو أن يقول: لا أنظر في معجزتك، ما لم يجب علي النظر، ووجوب النظر متوقف على استقرار الشرع بالنظر في معجزتك وهو دور. (1) إلى هنا تم كلامه في بيان استدلالات العدلية وإلزاماتهم، ثم شرع هو بنقد