عن النظر إلى نفس الفعل - لا باعتبار كونه محصلا للغرض أو مقيما للنظام الاجتماعي - هل هو موصوف بالحسن أو القبح أو لا؟
فما ربما يقال أن العدل المؤمن لبقاء النظام حسن والظلم لأجل سيادة الفوضى قبيح، خلط بين الحسن والقبح العقليين والعقلائيين أو الاجتماعيين، فتعليل الحسن والقبح بالغرض الفردي أو الأغراض الاجتماعية كلها خارجة عن دائرة البحث، وقد ذكرنا غير مرة أن البحث في الحسن والقبح العقليين مقدمة للتعرف على أفعاله سبحانه من حيث الحسن والقبح، وأفعاله فوق أن يكون لها غرض خاص أو يكون لها غرض في المجتمع.
هذا كله حول المحور الأول.
أما المحور الثاني: فقد نقل دلائل أمام مذهبه وأتباعه على كون الحسن والقبح شرعيين، ثم ردها بحماس واعتمد هو على دليل خاص، وقال:
والمعتمد في ذلك أن يقال لو كان فعل من الأفعال حسنا أو قبيحا لذاته، فالمفهوم من كونه قبيحا وحسنا، ليس هو نفس ذات الفعل، وإلا كان من علم حقيقة الفعل، عالما بحسنه وقبحه. وليس كذلك لجواز أن يعلم حقيقة الفعل ويتوقف العلم بحسنه وقبحه على النظر، كحسن الصدق الضار، وقبح الكذب النافع، وإن كان مفهومه زائدا على مفهوم الفعل الموصوف به، فهو صفة وجودية لأن نقيضه، وهو لا حسن ولا قبح، صفة للعدم المحض، فكان عدميا. ويلزم من ذلك كون الحسن والقبح وجوديا وهو قائم بالفعل لكونه صفة له. ويلزم من ذلك قيام العرض بالعرض بالجوهر [و] لا معنى له غير وجوده في حيث الجوهر، تبعا له فيه وقيام أحد العرضين بالآخر لا معنى له سوى أنه في حيث العرض الذي قيل أنه قائم به. وحيث ذلك العرض هو حيث الجوهر. فهما في حيث الجوهر