ب. مسألة الملازمة بين درك العقل حسن الفعل وقبحه، وبين حكم الشرع.
فالكلام إنما هو في المسألة الأولى لا في المسألة الثانية، التي يبحث فيها عن الملازمة بين الحكمين: العقلي والشرعي.
فهناك من يوافق المسألة الأولى، وفي الوقت نفسه ينفي الملازمة وإن كان الحق خلافه ثانيا: أن المستدل خلط بين فرض التكليف على الله وكشف ما عنده من الحكم من خلال صفاته وكماله، فالقائل بالملازمة لا يفرض التكليف على الله، ويقول: أين التراب ورب الأرباب، لكن هذا لا يمنع من أن نستكشف ما عنده من الأحكام من خلال دراسة صفاته الكمالية، فهو بما أنه عادل، لا يجور، وحكيم لا يعبث، وعالم، لا يجهل، نستكشف الأحكام اللائقة به حسب صفاته فالتكاليف المخولة إليه من قبيل التكاليف التي فرضتها عليه حكمته وعدله وعلمه. فلو قلنا لا يجوز على الله سبحانه تعذيب البرئ أو أخذه بذنب المجرم، لا نعني أنا نفرض هذا التكليف عليه، وأنه يجب أن يقوم به، وإنما يراد أن لازم صفاته الكمالية هو أن لا يفعل ذلك.
وهذا نظير ما يقوم به العلماء من كشف أسرار الطبيعة وقوانينها، فلو قال القائل: بأن زوايا المثلث تساوي قائمتين، وهذا لا يعني إلا أنه في الواقع كذلك، لا أنه يجب أن يكون كذلك لأجل حكمه به.
فإذا كان النظام السائد على الكون نظاما مبنيا على العلم والعدل والحكمة فلازم ذلك أن لا يؤخذ البرئ بذنب المجرم، فكشف هذا الحكم نظير كشف القوانين السائدة على الكون في العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية.