ترجح الفعل على العدم، وجود مرجح ثان فيتوجه إليه الإشكال السابق، وهو أن نسبة الفعل بعد المرجح الثاني لم تتغير فكيف ترجح العلة جانب الوجود على العدم؟ وإن علل بمرجح ثالث ورابع فذلك هو التسلسل بعينه.
نعلق على الاستدلال بالقول: نختار الشق الأول، وأن الفعل بعد تعلق الإرادة به يكون ضروري الوجود امتناعي العدم، ولكن ذلك لا يلازم سلب الاختيار عن الإنسان، فهنا أمران:
أ. إن تعلق الإرادة بالفعل يضفي عليه وصف الضرورة والوجوب وامتناع العدم.
ب. إن هذه الضرورة التي يكتسبها الفعل من جانب الفاعل المختار لا يخرج الفعل عن الاختيار.
أما الأول فلقاعدة الشئ ما لم يجب لم يوجد. توضيحها:
إن وجود الشئ رهن سد باب العدم على وجهه بالقطع والبت، حتى يكون وجوده على نحو الوجوب ولكي ينقطع السؤال لماذا وجد ولم ينعدم.
فلنفترض أن هناك فعلا له علة ذات أجزاء خمسة، فلا يتحقق ذلك الفعل إلا بسد جميع أبواب العدم عليه من خلال إيجاد أجزاء علته مجتمعة، فعند ذاك يوصف الفعل بضرورة الوجود، فإن لم يوصف بضرورة الوجود ولم يتحقق المعلول، والحال هذه، يتوجه السؤال إلى ما هو السبب في عدم تحققه مع فرض وجود جميع أجزاء علته؟
وأما الثاني فلأن الفعل وإن اكتسب وصف الضرورة لكنها لم تكن نابعة من صميم ذاته وجوهره، وإنما أفاضها عليه الفاعل المختار، فهو باختياره أضفى على الفعل وصف الوجوب وطرد عنه العدم، فالفاعل هنا فاعل موجب (بالكسر) أي معطي الضرورة للفعل من جانب نفسه، لا فاعل موجب (بالفتح) أي من فرض عليه الإيجاب من جانب آخر.