غرض الأعداء ولا ينافي غرض أوليائه. (1) فالحسن والقبح بهذه المعاني أو الملاكات اعترف به الأشاعرة.
وهذه الأمور الثلاثة التي اعترفت بها الأشاعرة خارجة عن مصب البحث، لكنهم اخترعوا للحسن والقبح معنى رابعا وهو تعلق مدحه تعالى وثوابه، أو ذمه وعقابه، فما تعلق به مدحه في العاجل وثوابه في الآجل يسمى حسنا، وما تعلق به ذمه تعالى في العاجل وعقابه في الآجل يسمى قبيحا، وما لا يتعلق به شئ منهما فهو خارج عنهما، فقالوا: هو عندنا شرعي، لأن الأفعال كلها سواء، ليس شئ منها في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ولا ذم فاعله وعقابه، وإنما صارت كذلك بسبب أمر الشارع بها ونهيه عنها. (2) وهذه المحاولة منهم نوع رجوع عن الإنكار المطلق، ومغالطة في تحرير محل النزاع، وليس هو إلا نفس الفعل بما هو هو سواء أكان صادرا من الواجب أم من الممكن، فالنزاع في أن العقل هل يدرك حسنه أو قبحه، سواء أتعلق به مدح في العاجل وثواب في الآجل أو لا، وسواء كان هناك ثواب أو عقاب.
إذا عرفت ذلك فنقول: ظهر مما ذكرنا أن للحسن والقبح معنى وملاكا واحدا، وهو كون نفس الشئ مدركا للعقل حسنه أو قبحه، والملاك كونه ملائما لفطرته ووجدانه، أو منافيا.
وبعبارة أخرى: إذا كان ملائما للبعد العلوي منه أو منافرا معه، وعلى ذلك فلو لم يكن هناك إنسان، ولم يكن له بعد علوي أو ملكوتي لما صح الحكم بحسن الأفعال وقبحها، فالمصحح هو ملائمته ومنافرته معه، فعند المقايسة والمطابقة يوصف بأحد الشيئين.