وبعبارة أخرى: تميل إليه النفس بالذات أو تنفر عنه كذلك، من دون ملاحظة كون الفعل ذا مصلحة أو مفسدة، أو كونه محصلا لهما، وعلى هذا الملاك يكون الموضوع للبحث عاما شاملا لفعل الفاعل المختار، واجبا كان أو ممكنا.
ثم إن الأشاعرة لما ضاق عليهم الخناق واتسع عليهم سبيل الانتقاد عمدوا إلى تكثير الملاكات واعترفوا بالحسن والقبح في بعضها وأنكروا في البعض الآخر، وحاصل كلامهم: أن للحسن والقبح معاني ثلاثة:
الأول: صفة الكمال والنقص، يقال العلم حسن، والجهل قبيح، ولا نزاع في أن هذا الأمر ثابت للصفات في أنفسها وأن مدركه العقل ولا تعلق له بالشرع.
الثاني: ملائمة الغرض ومنافرته، فما وافق الغرض كان حسنا وما خالفه كان قبيحا، وما ليس كذلك لم يكن حسنا ولا قبيحا، وقد يعبر عنهما بالمصلحة والمفسدة.
الثالث: ما تعلق به مدحه تعالى وثوابه وذمه وعقابه، فما تعلق به مدحه تعالى في العاجل وثوابه في الآجل يسمى حسنا، وما تعلق به ذمه تعالى في العاجل وعقابه في الآجل يسمى قبيحا، وما لا يتعلق به شئ منهما فهو خارج عنهما، هذا في أفعال العباد، وإن أريد ما يشمل أفعال الله تعالى اكتفي بتعلق المدح والذم فقط وترك الكلام في الثواب والعقاب، وهذا المعنى هو محل النزاع فهو عندنا شرعي، وذلك لأن الأفعال كلها ليس منها شئ في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه، ولا ذم فاعله وعقابه، وإنما صارت كذلك بسبب أمر الشارع بها ونهيه عنها. (1) يلاحظ عليه: أن الكلام في الأفعال دون الصفات، فإقحام صفة الكمال