ثم إنه يشترط في الفعل الأخلاقي أمورا ثلاثة:
الأول: أن يكون الفعل اختياريا، فالفعل الصادر عن إكراه واضطرار لا يعد فعلا أخلاقيا وإن كان ربما يوصف بالحسن.
الثاني: أن يكون الفعل مطابقا للوظيفة والتكليف الذي يوحيه الضمير إلى الإنسان.
الثالث: أن يكون الدافع إلى العمل هو الحس الأخلاقي ونية امتثال الأمر الأخلاقي. مجردا عن كل دافع سواه. وهذا الشرط هو الذي يصر عليه " كنت " وكأنه دعامة مذهبه الأخلاقي.
ويوضح ذلك بأن الفعل الذي يصدر من الإنسان لغاية من الغايات ككونه مقتضى الجمال أو الحكمة أو اللذة أو نتيجة الاستشعار بالعاطفة، ليس فعلا أخلاقيا، بل ربما يعد فعلا عقلانيا، وإنما يوصف به إذا كان الإنسان فارغا عن كل داع إلى العمل غير الإتيان به لأجل امتثال التكليف الذي كلفه به وجدانه.
فالبائع والمشتري اللذان يمارسان البيع والشراء لغاية إمرار المعاش فلا يمس عملهما بالأخلاق وفاقا وخلافا، ولكن لو دفع المشتري للبائع بدل دينار واحد، عشرة دنانير عن غفلة، فقام البائع بإرشاده إلى خطئه ورد الزائد عليه فهو عمل أخلاقي نابع من الإحساس بالتكليف، كما أنه إذا تغافل عن هذه الزيادة ولم يخبر المشتري بها، فعمله يعد عملا لا أخلاقيا.
فالفعل الأخلاقي هو الفعل النابع عن العمل بالتكليف، وأما الفعل الصادر عن الميول والغرائز الباطنية التي تطلب عملا مناسبا لنفسها فلا يكون موصوفا بالأخلاق أو ضد الأخلاق. هذه خلاصة نظرية " كنت " في الأخلاق.