وهذه النظرية مما يأسف لها العقل السليم، كيف وقد هبط الإنسان من مقامه السامي وصار حيوانا يتنازع في البقاء ويسعى لمحو الضعيف إبقاء لنفسه، فإذا كان الحيوان الكامل هو الباطش الفاتك فالإنسان الكامل أيضا هو القوي الذي لا يرحم الضعيف ويحاول محوه وإفناءه.
أفيرضى إنسان ذو مسكة بهذه النظرية، فلو كان الإنسان الكامل هو الإنسان القوي الذي يجعل الدنيا كلقمة سائغة لنفسه، فلازم ذلك إلغاء الأصول التربوية وإبطال القوانين الحقوقية ومجالس التشريع ما دام الحق يدور مدار القوة والبطش والحكم لمن غلب.
نعم إن القوة إحدى القيم التي يجب على الإنسان السعي وراءها ليخرجه من ظل الضعف إلى عز القوة. يقول سبحانه: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) * (1) ولكنها إحدى القيم لا القيمة المنحصرة والخلق المثالي.
فذلك الفيلسوف نظر إلى شجرة الأخلاق التي لها أغصان كثيرة وأخذ بغصن واحد وقطع سائر الأغصان فصار الكمال عنده منحصرا في القوة.
بقيت نكتة جديرة بالإشارة وهي أن القوة وإن كانت من القيم لكنها لا تعادل البطش وإجحاف الحقوق والاستئثار بالدنيا، وإنما يراد منها القوة لإجراء العدل وإقامة القسط وحفظ الحقوق وصيانة كرامة الإنسان من الذل، فالحاكم القوي رصيد للعدالة يأخذ من الأقوياء حقوق الضعفاء ويبسط نفوذه على الظالمين ويحيي القيم الأخلاقية بقوته ومنطقه وسيفه وسنانه.
فالقوة الممدوحة التي هي من القيم ما يكون ملجأ للإنسانية ومحييا للحقوق وسدا منيعا أمام الظلم والظالمين.