يكون الإقرار بالصغرى ملازما للإقرار بالكبرى، وعندئذ يتجه الإشكال كيف يصح لنا استنتاج الإنشاء من قضية إخبارية، وإليك بعض الآيات التي ربما تكون ذريعة للتشبث بها.
1. قوله تعالى: * (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم) *. (1) فإن الآية تندد بالإنسان على عدم سجوده لله سبحانه، وما ذلك إلا لأن من في السماوات والأرض كلها ساجدة لله تبارك وتعالى.
فمجموع الآية حكمة نظرية تخبر عن سجود ما سوى الله له، ولكن الغرض من بيان سجود الموجودات لله، هو دعوة الإنسان إلى السجود وفرضه عليه.
2. ونظير تلك الآية قوله سبحانه: * (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) * (2)، ففي هذه الآية كالآية السابقة تستدل بمعرفة نظرية وهي متابعة ما في الكون واستسلامه لله سبحانه، على معرفة عملية، وهي لزوم عبادة الله سبحانه لا غيره.
والجواب: أن المذكور في الآية هو الصغرى، والكبرى العملية مقدرة كما هو واضح، غير أن هنا قضية عقلية تتوسط بين الصغرى والكبرى، وهي عبارة عن:
أن خضوع الموجودات في الآية الأولى وتسليمها في الآية الثانية ناشئ من أنه سبحانه مبدأ الوجود الإمكاني ومفيض النعم، وأن كل شئ فقير إليه، وواجب كل فقير بالذات الخضوع لموجده ومفيض نعمه وليس الإنسان مستثنى من هذه