شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣١ - الصفحة ٣٢٦
ولي المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، فقال سعيد: إلى جنبي ستة، وقال: حارثة بن نصر: قام ستة، وقال زيد بن يثيغ: قام عندي ستة، وقال عمرو بن ذو مر: أحب من أحبه وأبغض من أبغضه (1).
١) النكث - بفتح الموحدة وسكون الكاف: نفض ما تعقده وتصلحه من بيعة وغيرها.
والناكثون هم أهل وقعة الجمل - لأنهم كانوا بايعوا عليا عليه السلام ثم نقضوا بيعته وقاتلوه.
وقال علي عليه السلام: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وأراد عليه السلام بالناكثين أهل الجمل كما مر. وبالقاسطين أهل الشام.
والقاسطون أي العادلون عن الحق إلى الباطل وهم معاوية وأصحابه. وبالمارقين:
الخوارج الذين مرقوا من الدين. يقال: مرق السهم من الرمية يمرق مرقا ومروق:
خرج من الجانب الآخر، وفي حديث الخوارج: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم المرمي به ويخرج منه - ويقال لهم: المارقة أيضا.
وأول من بايع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام طلحة بإجماع أهل التاريخ، طوعا دون إكراه وإجبار وكان هناك رجال تخلفوا عن البيعة مثل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص و.. غيرهما لم يجبروا للبيعة وطلحة وزميله الزبير أن امتنعا من البيعة ولحقوا بالمخلفين عنها لم يستكرهوا لها قطعا بل بايعا له عليه السلام بطمع حطام الدنيا وحب رياستها الباطلة ثم لم يجدا عنده عليه السلام ما يطلبانه فنكثا البيعة وصارا من الناكثين الذين وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنار.
وما حكي من ندم الناكثين فهو ليس بشئ، لأن الندم عن الذنب والتوبة عنه والرجوع منه إلى الله تعالى له شرائط ذكروها في الكتب الكلامية في بحث التوبة وذكروا أحكامها كلها.
ومنها حكم من أضل الناس قالوا: يجب عليه إرشاد من أضله وإرجاعه عما اعتقده بسببه من الباطل.
وأنهم لو كانوا راجعين عن باطلهم إلى الحق لوجب عليهم أن يصيروا إلى عسكر أمير المؤمنين عليه السلام طائعا ومعترفا بخطئهم ومنقادا بإمامهم الحق ومبايعا له، لأن نكثهم السابق قطع علقة البيعة وأنهم كانوا خلعوا إمامته عليه السلام وبغوا عليه وقاتلوه وكانوا سببا لقتل آلاف من المسلمين من أهل لا إله إلا الله.
وقيل: إن الزبير لما سمع من أمير المؤمنين عليه السلام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا زبير أنت ظالم لعلي، فتذكر ورجع إلى أصحابه فقال لعائشة: ما كنت في موطن مذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موقفي هذا؟
قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب عنهم، فقال: له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين العارين، خشت رايات ابن أبي طالب قال: إني حلفت ألا أقاتله وأحفظه، قال: كفر عن يمينك فقاتله. فدعا غلاما له يقال مكحول فأعتقه. فقال عبد الله بن سليمان:
لم أر كاليوم أخا الإخوان * أعجب من مكفر الإيمان بالعتق في مقضية الرحمن * وقال رجل من شعرائهم: يعتق مكحولا لصون دينه كفارة لله عن يمينه * والنكث قد لاح على جبينه هذا يدل على الرجوع عن التوبة واليمين جميعا وأنه أقام بعد ذلك وقاتل وكان انصرافه بعد اليأس من الظفر وخوف الأسر أو القتل. وبعض الروايات تدل على نكثه بعد تذكير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت له ظالم) بل على قتاله بعد التذكير أيضا. وما قيل: أنه كان شاكا في أمره أو متحيرا لا يدل على التوبة فإنها لا تكون إلا مع اليقين والعلم بقبح ذلك العمل فيندم عليه ويتوب عن الفعل، وكذلك العلم بأنه مخطئ لا يدل على التوبة لأن الانسان قد يرتكب ما يعلم أنه قبيح وخطأ ويقدم على فعل ذلك الخطأ والقبيح مع علمه.
وعن البلاذري في تاريخه بإسناده عن حويرثة بن أسماء أنه قال: بلغني أن الزبير حين ولى ولم يكن بسط يده بسيف اعرضه عمار بن ياسر بالرمح وقال: أين يا أبا عبد الله ما أنت بجبان ولكني أحسبك شككت؟ قال: هو ذاك، ومضى حتى نزل بوادي السباع اعترضه ابن جرموز فقتله.
فاعتراف الزبير بالشك يدل على خلاف التوبة، لأنه لو كان تائبا لقال له في الجواب: ما شككت بل تحققت أنك وصاحبك على الحق وأنا على الباطل وقد ندمت على ما كان مني ورجعت عن الباطل إلى الحق نذهب إلى علي الإمام الحق فأبايع له فإنه لا يجوز لمسلم أن يعيش وليس له إمام - ولم يفعل ذلك بل أقر بكونه شاكا وأي توبة يكون لشاك غير متحقق.
وأما طلحة فإثبات توبته (دونه خرط القتاد) لأنه قتل في المعركة وهو كان يقاتل ويجتهد في الحرب حتى أصابه سهم مروان بن الحكم، روي عنه أنه قال: فلما رأيت طلحة في المعركة قلت: ما أبالي أرميت بسهمي هيهنا أم هيهنا فرميت طلحة فأصبت الكحلة فقتلته، وروى عن يحيى بن سعيد عن عمه قال: رمى مروان بن الحكم طلحة ابن عبيد الله بسهم ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك، وفي رواية: فلما رآه قال: قتلني الله إن لم أقتلك فرماه بسهم فقتله.
وما قيل: أنه قال بعد إصابة السهم: اللهم خذ مني لعثمان حتى يرضى، فهو ليس دليلا على ندامته باشتعال نار حرب الجمل بل هو دليل على شركته في قتل عثمان وموازنته عليه وإقرار منه على ذلك، وقد كان جمع الناس حول الجمل لطلب دم عثمان عمن كان بريئا منه.
وكان الطلب بدم عثمان ستارا يخفون تحته أغراضهم في الحكم والسلطان وانتزاع الخلافة من أمير المؤمنين علي عليه السلام، ويصرح بذلك ما رواه ابن الأثير في تاريخه: إن مروان بن الحكم وقف على طلحة والزبير بعد خروجهما فقال: على أيكما أسلم بالأمرة وأوذن بالصلاة؟ فقال: عبد الله بن الزبير: على أبي، وقال محمد بن طلحة: على أبي.
وقال بعض أصحابهما: والله لو ظفرنا وانتصرنا على علي لاقتتلنا، لأن الزبير ما كان يترك الخلافة لطلحة ولا كان طلحة يتركها للزبير.
وسأل سعد بن العاص منهما فقال: أخبراني وأصدقائي إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ قالا: نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس، قال: بل تجعلونه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه، فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟ وهكذا كان أمرهما.
وروي أن عليا عليه السلام مر بطلحة قتيلا يوم الجمل فقال لرجلين: أجلسا طلحة فأجلساه فقال: يا طلحة هل وجدت ما وعد ربك حقا؟ ثم قال: خليا عن طلحة، ثم مر بكعب بن سور قتيلا فقال: أجلسا كعبا، فأجلساه فقال: يا كعب هل وجدت ما وعد ربك حقا، ثم قال خليا عن كعب.
فقال: بعض من كان معه: وهل يعلمان شيئا مما تقول أو يسمعانه؟ فقال: نعم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهما ليسمعان ما أقول كما يسمع أهل القليب ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وغير ذلك من الأخبار والآثار التي تدل على سوء عاقبتهما وإنهما قتلانا كثا وباغيا - صرح بذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام في رسالته إلى أهل الكوفة أرسلها إليهم بعد فتح البصرة وفيها: حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وقدمت الحجة وأقلت العثرة والزلة واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعهد الله عليهم، فأبوا إلا قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي، فناهضتهم بالجهاد في سبيل اللهوقتل من قتل منهم ناكثا وولى من ولى إلى مصرهم، فسألوني ما دعوتهم قبل القتال فقبلت منهم وأغمدت السيف وأخذت بالعفو فيهم وأجريت الحق وسنة نبيهم. وروى عن الواقدي أيضا في رسالة علي عليه السلام إلى أهل المدينة مثل معاني رسالته إلى أهل الكوفة ووصفهما بأنهما قتلا على النكث والبغي. وروى الشعبي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام