الخلاف وتقرير الوفاق، فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملا يرى كل واحد منهم رأيا ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه في ذلك غيره، بل يجب أن يعين شخصا هو المرجوع إليه وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه، وقد عين عليا في مواضع تعريضا وفي مواضع تصريحا.
ويلخص الشهرستاني هذه المواضع وتلك في الأمور التالية: فمن المواضع التي دل فيها النبي - في نظر الشيعة - على إمامة علي بن أبي طالب من بعد، تعريضا وتلميحا:
تقديمه إياه على أبي بكر في مناسبة، وتقديمه بعض الصحابة على أبي بكر وعمر وغيرهما وما قدم أحدا على علي بن أبي طالب قط. ومن المواضع التي دل فيها النبي - دائما في نظر الشيعة - وبشكل صريح على أن عليا هو الخليفة من بعده ما صرح به حينما سأل أصحابه، والإسلام ما زال ضعيفا في بداية أمره: من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعته جماعة، ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصيي وولي هذا الأمر من بعدي؟ فلم يبايعه أحد حتى مد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يده إليه فبايعه على روحه ووفي بذلك. ومما يحتج به الشيعة في هذا الموضوع ما يروى من أن النبي خطب في الناس في موضع يعرف ب (غدير خم)، وكان عائدا من حجة الوداع، وقد كل الاسلام وانتظم حاله، فقال النبي: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار، ألا هل بلغت؟ قالها ثلاثا حسب الرواية ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب جماعة من الصحابة: أقضاكم علي، قالوا: إن هذا قول فيه نص على إمامة علي، فإن الإمامة لا معنى لها إلا أن يكون أقضى القضاة في كل حادثة والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة.
وإلى جانب هذه المرويات التي ذكرها الشهرستاني والتي لا ينكرها عموم أهل السنة، ولكن دون أن يعتبروها تلميحا ولا تصريحا من الرسول على أن الخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب، تورد المصادر الشيعية نصوصا أخرى بعضها يشير بظاهر لفظه إلى أن الخليفة والإمام بعد النبي هو علي بن أبي طالب، أو يلمح إلى ذلك تلميحا، وبعضها يعتمدون في استخراج معناها ودلالتها على التأويل الباطني ومن هذا النوع الأخير ما يروى عن الإمام محمد الباقر، الإمام الشيعي الخامس، من أنه قال في تفسير آية النور:.. كمشكاة فيها مصباح: يعني نور العلم في صدر النبي. المصباح في زجاجة: الزجاجة صدر علي: علم النبي عليا علما يوقد من شجرة مباركة هي نور العلم.. ومن ذلك أيضا تأويلهم لقوله تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) إذ قالوا: المقصود بالنور هو محمد، وبالكتاب: القرآن. وإن نور محمد يسري في الأئمة من وصيه علي بن أبي طالب إلى ذريته من بعده ولتأكيد هذا المعنى يروون عن النبي حديثا يقول فيه: إن الله خلقني وخلق عليا والحسن والحسين من نور واحد، فعصر ذلك النور عصرة فخرجت منه شيعتنا، كما يروون عن جعفر الصادق، الإمام الشيعي السادس قوله: إن العلم الذي أنزل على آدم لم يرفع، وما مات عالم إلا وقد ورث علمه، وعن الباقر قوله: إن عليا كان عالما والعلم يتوارث، وعن جعفر الصادق أنه سئل عن معنى قوله تعالى (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، فقال: المنذر رسول الله ونحن الهداة، في كل عصر منا إمام يهدي الناس إلى ما جاء به رسول الله مما جهلوه، وأول الهداة علي لنضف أخيرا، وليس آخرا، ما يروونه عن النبي من أنه قال: ليتولى الله عليا والأوصياء من بعده وليسلم لفضله فإنهم الهداة بعده، لقد أعطاهم الله علمي وفهمي وجعلهم في صفي وأهلا لولايتي وللإمامة من بعدي.
ولا شك أن الناظر إلى هذه المرويات والتأويلات من خارج الحقل المعرفي الشيعي سيقول إنها تحتاج إلى تأسيس، إلى إثبات صحتها.. غير أن هذا الاعتراض لا معنى له داخل ذلك الحقل، ما دامت هذه المرويات صادرة عن الأئمة والأئمة عندهم، فضلا عن كونهم معصومين كالأنبياء إن لم يكن من جميع الأخطاء فعلى الأقل من الكبائر مثل الكذب، فهم أولياء. والولاية في التصور الشيعي سلطة آلهية خص الله بها الأنبياء والأولياء سواء بسواء. ذلك أن كل الفرق بين النبي والولي، حسب ما يروونه عن جعفر الصادق، هو أن النبي يحل له من النساء أكثر من أربع بينما لا يحل ذلك للولي. أما ما عدا هذا فالولي في منزلة النبي يبلغ عنه ويتحدث باسمه، وتعتبر تعاليمه من تعاليم النبي أو هي نفسها. ومن هنا يقرر علماء الشيعة أن الأحكام الشرعية الإلهية لا تستقى إلا من نمير مائهم (الأئمة) ولا يصح أخذها إلا منهم، ولا تفرغ ذمة المكلف بالرجوع إلى غيرهم.. وإن في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم ولا يستضيئون من نورهم، ابتعادا عن محجة الصواب في الدين.
ومنهم الفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن أستاذ التاريخ الاسلامي في (التاريخ الإسلامي العام) (ص 218 ط مكتبة النهضة المصرية - القاهرة):
ورغم ذلك فقد تخلف علي بن أبي طالب في مبايعة أبي بكر، لاعتقاده بأحقيته عنه في الخلافة: فهو أول من اعتنق الاسلام من الصبيان، وهو ابن عم الرسول، وزوج ابنته فاطمة التي ولدت له الحسن والحسين، كما أنه يمتاز بشجاعته وفروسيته، وتأخرت بيعة علي لأبي بكر حتى قيل إنها حدثت بعد أربعين يوما من اختياره خليفة، وقيل: إنها وقعت بعد ثلاث أشهر، وفي رأي آخر أنها تمت بعد ستة شهور وناصر عليا في موقفه العباس وطلحة والزبير.
ومنهم الدكتور أحمد الحصري أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر في (الدولة وسياسة الحكم في الفقه الاسلامي) (ح 2 ص 157 ط مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة) قال:
وتخلف أيضا عن بيعته علي بن أبي طالب لأنه كان يرى أنه أحق منه بالخلافة ولم يبايعه إلا بعد وفاةزوجته فاطمة.