فأراد المؤاخاة بينهم وبين الأنصار، الإمامة ص ١٨٥ - ١٨٦، وكذلك آية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) والطاعة للمعصوم وهو أجر المؤمنين وعند أهل السنة هذا خطأ لأن الطاعة ليست للمعصوم بل لموافقة إرادة الجماعة، كما أن عليا ليس هو أولي الأمر، الإمامة ص ١٤٢ - ١٤٤ س.
قال أيضا في ص ٢٢١ نقلا قول النبي صلى الله عليه وسلم:
من الذي يبايعني على روحه وهو وصيي وولي هذا الأمر من بعدي؟ فبايعه علي وحده وكانت قريش تعير أبا طالب: لقد أمر عليك ابنك، الملل ح ٢ / ٩٥ - ٩٦ وأيضا: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ومثل اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، الإمامة ص ١٨٦ - ١٨٧، إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن نفترق حتى نرد علي الحوض، مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، الإمامة ص ١٩١ - ١٩٣ -، ومن الآيات (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيرا) أي عصمتهم أي إمامتهم. وعند أهل السنة هذا عام في جميع المؤمنين، مدح وتعظيم لا إمامة، وأيضا (إني جاعلكم للناس إماما قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين) فلا إمامة للظالمين بل المعصوم، وعند أهل السنة هذا في مورد النبوة لا الإمامة، الإمامة ص ١٩٣ - ١٩٥.
وقال الفاضل المعاصر الهادي حمو في (أضواء على الشيعة) (ص ٤٤ ط دار التركي):
والإمامة موضوع رئيسي في سائر كتب علم الكلام لدى الشيعة بالخصوص - إلى أن قال: كغيرها من الوظائف الدينية التي عرف القضاء بها من الله ورسوله، فليس للناس الخيرة في نفيها كما ليس لهم الخيرة في غيرها من سائر أحكام لا سلبا ولا إيجابا.
وهناك كثير من النصوص الواضحة التي ساقوها على ألسنة أئمتهم في هذا المجال ومنها ما أسندوه إلى الإمام محمد الباقر سئل: ما الحاجة إلى الإمام؟ قال: ليرفع الله العذاب عن أهل الأرض، قال تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) (٣٣ - الأنفال ٨) فقد استشهد إمامهم الباقر بهذه الآية التي تشير إلى النبي في معرض الإمامة لأن الإمامة في نظر الشيعة خلافة عن النبي، قائمة مقامها إلا في نزول الوحي.
ومنها ما نسبوه إلى الإمام جعفر الصادق، رواه عن أبيه عن جده مرفوعا إلى النبي متلقيا إياه عن ربه من الحديث القدسي:
يا محمد لم أترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف طاعتي وهداي ويكون ظهوره فيما بين قبضة النبي إلى خروج النبي الآخر، ولم أكن أترك إبليس يضل الناس وليس في الأرض حجة وداع إلى وهاد إلى سبيلي وعارف بأمري، وإني قد قضيت لكل قوم هاديا أهدي به السعداء ويكون حجة على الأشقياء.
ومنها ما نقلوه من صحيفة السجاد زين العابدين: لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيما ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله.
وإذ قد سألوه كيف ينتفع الناس بإمام مستور؟ أجاب: كما ينتفعون بالشمس إذا سترتها السحاب.
وما رووه عن الإمام القائم يفسر نظريتهم في وجوب النص على الإمام دون تركه إلى انتخاب الناس أو اختيارهم: قيل له: أخبرني عن العلة التي تمنع الناس من اختيار إمام لأنفسهم، قال: مصلح أو مفسد؟ قيل: بل مصلح، قال: هي العلة أبديها لك ببرهان يقبلها عقلك، قال: نعم، قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى ثبت الاختيار، ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما؟ إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما عن المنافق وهما لا يظنان أنه مؤمن؟ قيل: لا، قال:
فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين إذ قال عز وجل (وأختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا) فلما وجدنا من قد اصطفاه الله تعالى للنبوة وقع على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن الاختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر ولا يعرف السرائر مفسدة وأن الأخطر اختيارالمهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد من حيث أرادوا الإصلاح.
ومنها ما رووه من كلام الإمام علي الرضى: الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثيل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذلك الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟ هيهات، هيهات، ظلت العقول وحارت الألباب وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شؤونه أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير فكيف لهم باختيار الإمام: عالم لا يجهل وداع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهد والعبادة مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهرة البتول.
وقال الفاضل المعاصر الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه (بنية العقل العربي) (ص ٣١٩ الطبعة الثالثة، مركز دراسات الوحدة دراسات الوحدة العربية - بيروت):
بعد سرد موقف أهل السنة في الإمامة: أما الشيعة فلقد كان لهم ولا يزال موقف مخالف تماما (قالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية (أي من المصالح العامة الدنيوية) تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية وهي ركن من أركان الدين لا يجوز للرسول عليه السلام إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة وإرساله (تركه مرسلا بدون تخصيص). ويجمعهم الشيعة: القول بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر. والإمامية منهم، وهم أساسا الاثنا عشرية والإسماعيلية قالوا: وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام حتى تكون مفارقته (النبي) الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة، وإنما بعث لرفع