ولما ضعفت المعتزلة وتنفر منهم الناس على أثر حوادث وقتل وتعذيب العامة وإجبارهم على الاعتقاد بمذهب المعتزلة حتى أخذت تهدد بالانقراض.
ومن ناحية أخرى أخذ جماعة منهم الباقلاني والاسفرائيني والجويني والغزالي والفخر الرازي بتقوية مذهب الأشعري، مما أدى استحكامه، وحصلت فيه تحولات وتغييرات، واكتسب على يد الغزالي صبغة عرفانية، وعلى يد الفخر الرازي صبغة فلسفية إلى حد ما.
ولما ألف الخواجة نصير الدين الطوسي كتاب تجريد الاعتقاد أخذ علم الكلام الطابع العقلي والفلسفي، وتبعه على ذلك كل المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة، فجاء كتاب المواقف وكتاب المقاصد وشروحهما على غرار كتاب التجريد.
وبمرور الزمان أخذت الأشاعرة تبتعد عن سنة أئمتهم السابقين، وصاروا يقتربون شيئا فشيئا من الاعتزال والفلسفة، حتى صاروا في صدد تأويل توحيد عقائد أهل السنة ودعمها بالدليل والذب عنها، ليتفوق مذهب الجمود والتحجر على مذهب الفكر والتحرر.
الكلام عند الشيعة:
إن للاستدلال العقلي والمنطقي حول أصول الإسلام الاعتقادية عند الشيعة مقام رفيع وممتاز ينبعث من عمق أحاديث الشيعة، وذلك لأن أحاديثهم على خلاف أحاديث العامة تمتاز بالتحليل والمنطقية العميقة عن مسائل ما وراء الطبيعة وجاء فيها تعاليم عن إرادة الله والقضاء والقدر أسماء وصفات الله تبارك وتعالى، وكذا عن الإمامة والخلافة وما بعد الموت مع الاستدلال، ويظهر ذلك من المقايسة بين الصحاح الستة وأحاديث كتاب الكافي للكليني.
فإن روح المباحث العقلية لم يحفظها إلا الشيعة، مكتسبين تلك الروح التحقيقية من أئمتهم على الخصوص أول الأئمة أمير المؤمنين (عليه السلام).
على أن أفكار غير الشيعة من الفرق مهما تكن عقلية فهي لا تخرج عن كونها مجرد جدل ونقاش، بينما الفكر الشيعي عبارة عن حكمة استدلالية.