نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٦٠٠
من يحيى محمد، ثم أنت، وأول من يكسى محمد، ثم أنت، فانكب علي على الأرض ساجدا، وعيناه تذرفان بالدموع شكرا لله تعالى، وأخذ رسول الله برأسه يقيمه، ويمسح وجهه، وهو يقول له: " قم يا حبيبي وارفع رأسك، فقد أبكيت أهل السماء من بكائك، وباهى الله بك حملة العرش، وأهل سبع سماوات ".
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " الحمد لله الذي فضلني على سائر الأنبياء، وأيدني بوصيي سيد الأوصياء " الخ.
وأما من طريق الإمامية (قدس سرهم) فقد ورد في ذلك ستة أحاديث بأسانيدهم المعتبرة عن جابر، وعن عمار، وعن أبي ذر وعن عبد الله بن مسعود، وعن ابن عباس رضي الله عنهم [٢٤] وغيرهم، والكل حاوية لزيادات على ما ذكر، وقد أسقطها الجمهور.
وفي بعضها: أن الشمس كلمته ثلاث مرات، وفي بعضها الآخر: سبع مرات.
وفي كثير منها: أنه خرج علي (عليه السلام) إلى حيال البقيع حين بزوغ الشمس بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخرج معه أبو بكر وعمر في جماعة من المهاجرين والأنصار، حتى وقف علي (عليه السلام) على نشر من الأرض، وخاطب الشمس عند طلوعها بقوله (عليه السلام): " السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له ".
فسمع القوم بأجمعهم دويا من السماء، وجوابا من الشمس تقول: وعليك السلام يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا من ينجي محبيه، ويوثق مبغضيه، يا من هو بكل شيء عليم.
فصعق القوم من ذلك، ثم رجعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: أنت تقول إن عليا بشر مثلنا، وقد خاطبته الشمس بما خاطب به البارئ تعالى نفسه، ثم أخبروه بما سمعوا منها.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " نعم هو أول من آمن بالله وبي، وآخر الناس عهدا بي، يغسلني ويكفنني، ويدخلني قبري، وهو من ظهر على علمي كله، وعلى مخزون سري، وهو بطن سري، والمستبطن لعلمي، وهو العالم بالحلال والحرام، والفرائض والسنن والأحكام، والتنزيل والتأويل، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه المشكل، وما شاكل ذلك، وصدقت الشمس في كل ذلك ".
ثم توجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الوصي (عليه السلام) وقال: " لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به، أنت عيبة علمي، وخزانة وحي ربي، وأولادك خير الأولاد، وشيعتك هم النجباء ".
فقام القوم وانصرفوا وقال بعضهم: لقد أوقعنا محمد في طحياء، وقال بعضهم الآخر: لا يزال يرفع خسيسة ابن عمه وينوه باسمه.
وأما تكلم أصحاب الكهف معه (عليه السلام)، فقد ورد بخمسة طرق من العامة، وخمسة أيضا من طرق الخاصة (قدس سرهم)، والمضامين أيضا متقاربة، فقد ذكره من علماء الجمهور، الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتابه مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) [٢٥] ثم الثعلبي [٢٦] ثم المجاهد [٢٧] ثم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القزويني في تفسير سورة الكهف على ما ذكره ابن طاووس (قدس سره) [٢٨] ثم معمر على ما ذكره صاحب ثاقب المناقب بإسنادهم عن أنس بن مالكوابن عباس (رضي الله عنه) [٢٩].
والملخص الملفق من الكل، أنه أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بساط من خندف، فبسطه أنس في المسجد بأمره (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم دعا بأبي بكر، وعمر، وعثمان، والزبير، وعبد الرحمان، وسعد، وأجلسهم في أطرافه، ثم دعا عليا (عليه السلام)، وأجلسه بينهم في وسطه، ثم توجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحو السماء وقال:
" اللهم إنك أمرت الريح أن تطيع لسليمان بن داود، فأطاعت، فأذن لها ترفع هذا البساط في الهواء " ثم توجه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) بعد أن ناجاه طويلا وقال: " يا أبا الحسن، قل: يا ريح الصبا احملينا، والله خليفتي عليك، وهو حسبي، ونعم الوكيل ".
قال أنس وكان جالسا معهم على البساط: فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا، لما قال علي كما أمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت ريح غير مؤذية، فرفعت البساط، وما كان إلا هنيئة حتى صرنا في الهواء، والبساط يدف بنا دفا.
ثم نادى علي (عليه السلام): " يا ريح الصبا ضعينا " فإذا نحن في الأرض، فأقبل علي (عليه السلام) علينا، وقال: " يا معاشر الناس أتدرون أين أنتم، وبمن قد حللتم؟ " قلنا: لا، فقال (عليه السلام): أنتم ببلاد الروم عند أصحاب الكهف الذين كانوا من آيات الله عجبا، فمن أحب أن يسلم على القوم فليقم ".
فأول من قام كان أبو بكر، وسلم عليهم، فلم يجبه أحد منهم، فانصرف، وجلس مجلسه، ثم قام عمر، فسلم عليهم، ولم يردوا عليه جوابا.
ولم يزل كل من معنا يقوم واحد بعد واحد، ويسلم عليهم، ولم يسمع أحد منهم جوابا إلى أن قام أمير المؤمنين (عليه السلام) بنفسه، وأصغى بأذنه عند ذلك طويلا، وسمعنا من أهل الكهف وهمة شديدة، فنادى علي (عليه السلام): " السلام عليكم يا أصحاب الكهف، فتية آمنتم بربكم ".
فسمعناهم قالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيها الإمام، وأخا سيد الأنام، اقرأ محمدا منا السلام. فقال: " أيتها الفتية ما بالكم لم تردوا السلام على أصحاب رسول الله؟ " قالوا: يا أبا الحسن، قد أمرنا أن لا نسلم إلا على نبي، أو وصي نبي، وأنت خير الوصيين، وابن عم خير النبيين، وأنت أبو الأئمة المهديين، وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم.
فلما استتم القوم كلامهم أمرنا علي (عليه السلام) بالجلوس في مجالسنا، ثم نادى: " يا ريح الصبا احملينا، فإذا نحن في الهواء، ثم قال (عليه السلام): " يا ريح ضعينا " فإذا نحن في الأرض، ثم ركز الأرض برجله، فإذا نحن بعين ماء، فقال (عليه السلام): " معاشر الناس، توضؤوا للصلاة، فإنكم تدركون صلاة العصر مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
ولما توضأنا أمرنا بالجلوس على البساط، ثم أمر الريح بحملنا، فإذا نحن في الهواء، ثم أمر الريح أن يضعنا، فإذا نحن في مسجدرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد صلى ركعة واحدة، فصلينا معه ما بقي من الصلاة، فوافيناه، وهو يقرأ: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) [٣٠].
وأما ما ذكره علماء الإمامية (قدس سرهم) في ذلك فهو يقرب مضامينها من تلك الأحاديث الجمهورية، ولكنها بوجه أبسط، وزيادات قد سقطت في أحاديث القوم.
فقد ذكر ذلك السيد ابن طاووس في كتابه سعد السعود [٣١] وذكره أيضا السيد المرتضى في عيون المعجزات [٣٢] ثم ابن الماهيار محمد بن العباس في تفسيره [٣٣] ثم ابن شهرآشوب في كتاب المناقب بطريقين [34] والملفق من الزيادات فيها:
أن أهل البساط بعد استماعهم رد السلام من أهل الكهف على أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذوا بالبكاء، وقاموا إليه فزعين، معتذرين، يقبلون رأسه، وهم يقولون: قد علمنا ما أراد رسول الله