41 وما عذر لذي عقل بجهل * بخلاق الأسافل والأعالي العذر ما يسقط معه اعتبار الحكم وإن أمكن إيجاده بكلفة فهو أعم من المانع إذ المانع ما يلزم من وجوده انعدام الحكم بالكلية فالمريض قد يمكنه التكلف للصوم بخلاف الحائض والعقل في الأصل الحبس ومنه عقال البعير ثم نقل وسمي به الإدراك الإنساني لأنه يحبس صاحبه عما يستقبح ويعقله بما يستحسن ثم سمي به القوة النظرية التي يدرك بها النفس هذا الإدراك وهو معنى قولهم غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات وقول بعضهم هو نور في القلب يفيد الإدراك وذلك النور يقل ويكثر فإذا قوي قمع ملاحظة الهوى مبني على أن العقل عرض وهو التحقيق وما قيل من أنه جوهر تدرك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة فمبني على أنه هو النفس لأنه عند جمهور المتكلمين جوهر جسماني لطيف سار في البدن وعند جماعة منهم الغزالي رحمه الله إلى أنها جوهر مجرد أي ليس جسما ولا قوة جسمانية حالة في البدن وإنما اتصالها بالجسم اتصال كاتصال حكم حاكم بمصر في الشام يديرها وهو غير حال فيها وهو قول الفلاسفة وذهب كثير من المتكلمين إلى أنها عرض والحق أن العقل والنفس متغايران لغة وعرفا وأن الإمساك عن الخوض في العقل أحوط كالخوض في الروح بناء على تغايرهما وهو الراجح كما أشار إليه صاحب الجوهرة بقوله: ولا تخض في الروح إذ ما وردا * نص عن الشارع لكن وجدوا لمالك هي صورة كالجسد * فحسبك النص بهذا السند والعقل كالروح ولكن قرروا * فيها خلافا فانظرن ما فسروا وقد ذكرنا بعض ما فسروا وهو من أشرف المواهب الإلهية كما قيل:
لم يهب الله لامرئ هبة * أحسن من عقله ومن أدبه هما حياة الفتى فإن فقدا * من الفتى فالموت أليق به ثم الحاصل من نظر العقل نوعان ضروري يحصل بأول النظر من غير تفكر كالعلم بأن الكل أعظم من جزئه واستدلالي يحتاج فيه إلى نوع تفكر كالعلم بوجود النار عند رؤية الدخان واختلف في محله من الإنسان فقيل الدماغ ونوره في القلب حتى يدرك به الغايات وكماله أن ينجي صاحبه من ملامة الدنيا وندامة الآخرة وقيل محله القلب وإشراقه يضرب إلى الدماغ وسئل علي رضي الله عنه عن محله فقال القلب