يكتفي في إيمان الأعراب الخالين عن النظر بمجرد التلفظ بكلمتي الشهادة وكذلك الصحابة من بعده قال الشارح الحنفي قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي رضوان الله عليهم أجمعين إيمان المقلد صحيح ولكنه عاص بترك الاستدلال عليه وهذا مذهب أهل السنة وقالت المعتزلة إيمان المقلد ليس بصحيح إذ لا معرفة له والإيمان هو المعرفة فهو لا مؤمن ولا كافر وحكم أو هاشم من رؤسائهم بكفره وهو مردود بما قدمنا والصحيح ما عليه أهل العلم واللغة من أن الإيمان هو التصديق مطلقا فإذا أخبر المقلد بما يجب عليه الإيمان به فأذعن له وانقاد إليه كان مؤمنا ويدل على صحته أيضا قوله عليه السلام حين سئله جبريل عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره فإنه عليه السلام ما أجاب إلا بمجرد التصديق وهو حاصل في المقلد والجواب عن شبهتهم أن المعرفة غير الإيمان بدليل انفكاكه عنها فإن أهل الكتاب يعرفون الله كما يعرفون أبنائهم ولكن لا يصدقون كما نطق به القرآن وهذا إنما هو في حق من نشأ على شاهق جبل ولم يبق له التفكر في العالم ولا في الصانع حتى أخبر بذلك فصدقه وأما من نشأ في بلاد مسلمين وسبح الله تعالى عند رؤيته صنعا من صنايعه فهو خارج عن التقليد خصوصا بعد انتشار الدين ووضوح البراهين حتى أن الصبي المميز إذا تأمل في هذا الملكوت علم أن صانعه واحد أحد فرد صمد مستحق لجميع العبادات ثم اعلم أن الإيمان هو التصديق بجميع ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله بالقلب مع القبول والانقياد واختلف في النطق به فقيل شطر واختاره بعض أئمتنا الحنفية كشمس الأئمة وفخر الإسلام البزدوي رحمهم الله حيث ذهبوا إلى أنه التصديق بالقلب فقط والإقرار شرط لإجراء أحكام الإسلام في الدنيا فمن صدق بجنانه حق التصديق بما قدمنا وانقاد إليه كان مؤمنا عند الله تعالى وإن لم يتلفظ بلسانه غير معاند وعلى الأول لا يكون مؤمنا قال شيخنا وخلاصة الكلام إن إيمان المقلد صحيح عند الأئمة الأربعة رحمهم الله وكان عاصيا بترك الاستدلال على أنه قل لنا يرى مقلد في الإيمان بالله تعالى إذ المعتبر في الاستدلال على ذلك الاستدلال والنظر على طريق العامة كالاستدلال بحدوث الحوادث على وجوده تعالى وعلى صفاته من العلم والإرادة والقدرة وغيرها وكلام العوام في الأسواق محشوة بذلك والله أعلم بالصواب. قال الناظم رحمه الله تعالى
(٨٩)