وحديث خبر عنهما وفيه نظر من جهة المعنى والإعراب كما لا يخفى على أولي الألباب (وحاصل معنى البيت) إن الدنيا وما فيها بجميع أجزائها محدثة فإنه تعالى أحدث هذا العالم بعد أن كان معدوما وأوجده بعد أن لم يكن شيئا مذكورا على وفق ما سبق في علمه الأزلي من غير توقف قدرته على مادة وإبداعه على استفادة فائدة والقول بكون الهيولى أصل العالم ومادة بني آدم من العناصر الأربعة أو غيرها وأنه قديم في الكون قول قديم وفهم سقيم مخالف للأدلة النقلية أو العقلية قال تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ولأنه يلزم أن تتوقف قدرته تعالى وإيجاده على مادة فيلزم العجز وينتفي وصفه بالبديع أي المبدئ ويلزم قدم العالم وكل ذلك ظاهرا البطلان كما يدل عليه ظاهر من القرآن قال الله تعالى بديع السماوات والأرض * وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون إلى غير ذلك من الآيات وفي الحديث القدسي (كنت كنزا محتفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف) وأظهر منه بطلانا وأقوى فسادا قول القدرية: إن بعض العالم مخلوق للعبد وهذا هو الشرك الظاهر وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام القدرية والجبرية مجوس هذه الأمة فإنهم يضيفون الخيرات إلى الله تعالى والشرور إلى العبد وقد قال تعالى كل من عند الله قال الناظم رحمه الله تعالى 52 وللجنات والنيران كون * عليها مر أحوال خوال الجنات جمع جنة وهي في الأصل اسم للبستان والمراد بها ههنا التي أعدها الله تعالى لتنعم عباده المؤمنين في الآخرة والنيران جمع نار والمراد بها جهنم التي أعدت لعذاب الكافرين وأراد بالكون الوجود أي لها وجود الآن والأحوال جمع حول بمعنى السنين أي مر عليها سنين كثيرة أو جمع حال أي مر عليها أحوال كثيرة من أحوال العالم والخوالي جمع خالية أي الماضية والقرون الخالية أي الماضية يعني أنه مما يجب اعتقاده أن الجنة حق والنار حق وأنهما مخلوقتان موجودتان الآن وقد مر عليها أزمان كثيرة وأحوال عديدة قال تعالى: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة الآية والنصوص الظاهرة في إعدادهما مثل أعدت للمتقين أعدت للكافرين ولا ضرورة في العدول عن الحقيقة وفيه إشارة إلى الرد على المعتزلة في إنكارهما وجود الآن وأنهما يخلقان يوم الجزاء لعدم الاحتياج إليهما الآن
(١١٢)