معاينة أسباب الموت بحيث يعلم قطعا أن سلطان الموت مدركه لا محالة كما أخبر الله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهذا البيان لأن اليأس ما هو وقد ذكر في بعض الفتاوى أن توبة اليأس مقبولة إن أراد باليأس ما ذكرنا يرد عليه ما قلنا وإن أراد باليأس القرب من الموت مطلقا فلا كلام فيه لكن الظاهر أن زمان البأس زمان اليأس ومعاينة الهول والمسطور في الفتاوى أن توبة اليأس مقبولة بخلاف إيمان اليأس لأن الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى وابتدأ إيمانا وعرفانا والفاسق عارف وحاله حال البقاء والبقاء أسهل وقوله تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن يحتمل أن يراد به تقييد التوبة بالآن بأن يقيد توبته بزمان العجر كما يقال تاب يوما أو عاما والدليل على قبولها مطلقا إطلاق قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده انتهى كلام البزازي فتحصل لك أن إيمان اليأس غير مقبول بالاتفاق وأن توبته مختلف فيها والأصح عدم القبول وأن الحالة التي تقرب من اليأس قد يطلق عليها اليأس والتوبة فيها مقبولة بالاتفاق فيفهم هذه المقام على النظام فإنه من مزالق الإقدام وقد وقع فيه كثير خبط من بعض فضلاء الأنام والحمد لله ملهم الصواب وإليه المرجع والمآب فائدة قيل لما وصل فرعون إلى قوله وأنا من المسلمين أخذ جبرائيل من أوحال البحر أي طينه الأسود فسد فمه مخافة أن تدركه الرحمة وإنما فعل به ذلك عقوبة له على ما كان منه والله أعلم. قال الناظم رحمه الله تعالى رحمة واسعة 43 وما أفعال خير في حساب * من الإيمان مفروض الوصال المراد بأفعال الخير هنا الطاعة والعبادات مطلقا فيتناول البدنية والمالية وغيرهما كالصوم والصلاة والزكاة والصدقات وحب الخير للمسلمين وإن اطلق الخير في بعض المواضع وأريد به خصوص المال كما في قوله تعالى وإنه لحب الخير لشديد قال البيضاوي أي المال من قوله تعالى إن ترك خيرا وقوله في حساب أي في اعتداد بمعنى أنها لا يحتسب ولا يعتد بها في حقيقة الإيمان وليست جزء منه بل هي خارجة عن حقيقته وإن كان كماله بها لأنه عبارة عن التصديق وحده أو مع الإقرار باللسان على ما قدمنا إلا أن التصديق ركن لا يحتمل السقوط أصلا ولا يتوقف على شئ آخر من فعل خير أو غيره والإقرار قد يحتمل السقوط كما في حالة الإكراه و كالخرس وقولهم انتفاء الجزء
(٩٥)