فإذا فضل نبينا من آدم فقد فضل على آدم بالأولى ولفظ ولد في الحديث يشمل الواحد والجماعة فاندفع ما قيل إنه لا يقتضي العموم إلا لو قيل أولاد وقال ابن عباس رضي الله عنه إن الله تعالى فضل محمد صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء عليهم السلام وأما حديث الصحيحين لا تخيروني على موسى وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى فمحمول على التواضع أو على أنه قبل أن يعلم أنه أفضل الخلق أو أن النهي محمول على النهي عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم فإنه كفرا أو عن تفضيل في نفس النبوة التي لا تفاوت فيها والتفاوت إنما هو في مراتب الكمال وكمال الصفات والأعمال حكي عن أبي المعالي أنه سئل في مجلسه عن الدليل على أنه الله تعالى لا يوصف بالجهة ولا بحدودها فقال نعم قوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على يونس بن متى فقال السائل إني أريد أن أعرف وجه الدليل فقال إن الله تعالى أسري بعبده إلى فوق سبع سماوات حتى سمع صرير الأقلام فلم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في علو مكان بأقرب إلى الله تعالى من يونس في بعد مكانه فإن الله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام وإنما يتقرب إليه بأحسن الأعمال انتهى ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم لم يدانه أحد من الخلق في استجماع جميع الكمالات لما تواتر من أحواله قبل النبوة وحال الدعوة وبعد تمامها ولا في أخلاقه العظيمة وأحكامه الحكيمة وإقدامه من حين تهجم به الأبطال وولوعه وتمسكه بعصمة الله تعالى في جميع الأحوال وثباته على حالة واحدة لدى الوقائع والأهوال بحيث لم يجد أعداؤه مع شدة عداوتهم وحرصهم على الطعن فيه مطعنا ولا إلى القدح فيه سبيلا مع الاستمرار فيه على ذلك ثلاثة وعشرين سنة حتى أظهر الله دينه على سائر الأديان ونصره على أعدائه وأحيى آثاره بعد موته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ببقاء شريعته وقد ادعى ذلك الأمر العظيم بين أظهر قوم لا كتاب لهم ولا حكم معهم وبين لهم الكتاب والحكمة وعلمهم الأحكام والشرائع وأتم لهم مكارم الأخلاق الجميلة وأكمل كثيرا من الناس في الفضائل العلمية والعملية ونور العالم بالإيمان ونور التوحيد والعمل الصالح وأظهر الله دينه على الدين كله كما وعده ونسخ بشريعته سائر الشرائع إلى غير ذلك مما لا يحصره العد والعقل يجزم بامتناع اجتماع هذا المجموع في غيره من المخلوقين فهو أفضل المخلوقين وحبيب رب العالمين والحبيب فوق الخليل على الراجح لخبر البيهقي: أن الله تعالى قال ليلة الإسراء يا محمد سل تعط فقال يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما فقال ألم أعطك
(٥٦)