وأنهم صادقون في جميع ما أخبروا عن الله تعالى وبلغوا عنه كما أمروا وبينوا للملكلفين ما أمروا ببيانه وأنه يجب احترامهم وتعظيمهم وأن لا نفرق بين أحد منهم وأن إرسالهم رحمة من الله وفضلا وحكمة وعدلا فإنه تعالى لما خلق الجنة للمؤمنين والنار للكافرين وأعد فيهما من الثواب والعقاب و تفاصيل أحوالهما وطريق الوصول إلى الأول والاحتراز عن الثاني لا يستقل به العقل وكذا خلق الأجسام النافعة والضارة ولم يجعل للعقول والحواس الاستقلال بمعرفتها وكذا جعل القضايا منها ما هي ممكنات لا طريق للجزم بأحد جانبيه ومنها ما هي واجبات أو ممتنعات لا تظهر للعقل إلا بنظر دائم وبحث كامل بحيث لو اشتغل الإنسان لتعاطى أكثر مصالحه فكان من فضل الله تعالى ورحمته إرسال الرسل لبيان ذلك كما قال الله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فيكونون وسائط بين الحق والخلق قال شارح وقال السمنية والبراهمة إرسال الرسل محال لأنه لو أتى بما يقتضي العقل ففي العقل غنية عنه ولو آتي بخلاف مقتضى العقل فالعقل يرده ويحيله قلنا إن الرسل يأتي بما يقصر العقل عن دركه إذ قضايا العقل ثلاثة أقسام واجب وممتنع وجائز والعقل يحكم بالواجب والممتنع ولكن يتوقف في الجائز فلا يحكم فيه بشئ إلا بعد أن يقف على أن ذلك مما يتعلق به عاقبة حميدة أو ذميمة وذلك لا يصح إلا ببيان الرسول لأنه الواقف من الله تعالى على عواقب الأمور فلا نسلم حينئذ أن في العقل غنية عن إتيان الرسول ويجوز أن يكون تيسيرا للأمر للعاقل لئلا تتعطل أكثر مصالحه بملازمة التفكر والبحث الكامل في إدراك المقصود فيكون التنبه منه على ذلك بواسطة الرسول تنبيه قدم المص رحمه الله الرسل على الملائكة إشارة إلى القول الأصح من أنهم أفضل من الملائكة مطلقا وقد ذكروا في الأفضلية طرقا الأولى طريقة ابن الحاجب وجماعة من الأشاعرة وأهل الحديث والتصوف أنهم أفضل من الملائكة العلوية والسفلية وعلى هذا جمهور أهل السنة لقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين والملائكة من جملة العالمين وإن الملائكة ولو غير العلوية أفضل من غير الأنبياء من البشر ولو كان وليا كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويقابله قول بعض من أهل السنة كالباقلاني والحليمي بأفضلية الملائكة العلوية والسفلية على الأنبياء أي ما عدا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أفضل من الملائكة إجماعا
(٥٢)