خيرا من هذا إلى قوله واتخذتك حبيبا أو ما في معناه ولأن الحبيب وصل بلا واسطة بخلاف الخليل وقال تعالى في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكان قاب قوسين أو أدنى وقال في حق الخليل: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض والخليل قال ولا تخزني الله النبي والخليل قال في المحنة حسبي الله والحبيب قيل له يا أيها النبي حسبك الله على أنه صلى الله عليه وسلم يوصف بالخليل أيضا كما يوصف بالحبيب وإبراهيم عليه السلام يوصف أيضا بالحبيب قال بعض المحققين وما يظن من الاستدلال بما ذكر اختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالحبيب واختصاص إبراهيم عليه السلام بالخليل فهو غلط وجهل وإنما المفهوم من تفضيل ذات محمد على ذات إبراهيم عليهما السلام مع قطع النظر عن وصف المحبة والخلة وهذا لا نزاع فيه وإنما النزاع في الأفضلية المستندة إلى أحد الوصفين والذي قامت عليه الأدلة استنادها إلى وصف الخلة الموجودة في كل من الخلتين فخلة كل منهما أفضل من محبته واختصاصها بهما عليهما السلام لتوفر معناها فيهما أكثر من بقية الأنبياء إذ هي من الخلة بالضم وهي صفاء المودة ولكون هذا التوفر في نبينا أكثر منه في إبراهيم كانت خلته أرفع من خلة إبراهيم عليه السلام ذكره ابن القيم ففيه دلالة على ثبوت وصف الخلة والمحبة لكل منهما ويلي محمدا في الأفضلية إبراهيم عليه السلام ونقل بعضهم الإجماع على ذلك لخبر الصحيحين خير البرية خص منه محمد صلى الله عليه وسلم فبقي على عمومه فموسى وعيسى ونوح عليهم السلام الثلاثة بعد إبراهيم ولم يرد التفضل بينهم فيجب الكف عنه وهم أي الخمسة أولوا العزم من الرسل المذكورون في سورة الأحقاف أي أصحاب الجد والاجتهاد وسائر الأنبياء بعد الخمسة أفضل من غيرهم على تفاوت في درجاتهم بما خص به كل منهم من غير النبوة فهم فيها سواء ومن الملائكة كما قدمنا قال شارح وخواص البشر وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة وخواص الملائكة وهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والمقربون والكروبيون أفضل من عوام بني آدم وعوام بني آدم وهم الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وعوام الملائكة أفضل من فسقة البشر دليلنا قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس والمسجود له أفضل من الساجد فإذا ثبت تفضيل الخواص على الخواص ثبت تفضيل العوام على العوام، وعوام الملائكة خدام أهل الجنة والمخدوم أفضل من الخدم إلا أن الفساق عصاة فلا يكونون أفضل من الملائكة المبرئين عن المعاصي والذنوب
(٥٧)