هذا المعنى في المقام غير محتاج إلى البيان، لظهور الإجماع على تعدد تلك الأسباب وظهور أدلتها فيه، وظهوره من الأمارات أيضا كاختلاف الأغسال في الآثار المترتبة عليها، وظهور الأخبار الدالة على التداخل في المقام في التعدد من لفظة حقوق، وأغسال، وأجزأك، وأمثالها. وإما أن يجعل من تداخل المسببات بدعوى صدق الامتثال عليه وضعفه غني عن البيان، وقد ظهر لك إجمالا ولعلنا نبينه تفصيلا.
فإذا عرفت أن الأصل في المقام عدم التداخل لاختلاف حقيقة الأحداث فلابد لإثباته من إقامة الدليل عليه ولاقتضاء كل سبب ايجاد مسببه مستقلا، وعدم الاكتفاء بواحد عن متعدد في غير ما دل دليل معتبر على الكفاية مسلم.
ولابد قبل الخوض في المسألة من الإشارة إلى مطلب مهم به يتشخص محل النزاع، وهو أنه ليس من المسألة ما لو تعلق أوامر متعددة بالطبيعة عند من يرجعها إلى أمر واحد، لرجوع التداخل فيه حينئذ إلى التداخل في الأسباب، والمفروض خلافه، وكذا ليس منه ما لو تعلق الأوامر بحقائق مختلفة مع تباينها كليا فلا يتصادقان، فانحصر التداخل بفرض الأغسال مختلفة الحقيقة متحدة المصاديق أعني كونها مفاهيم مختلفة متصادقة على فرد واحد، وما لم يحرز هذا المعنى فلا ريب في أن الأصل عدم التداخل، بمعنى أنه لا يمكن أن يقال به، إذ لعل المفهومين متباينان كليا فلا يمكن تصادقهما على فرد واحد، هذا.
ولكن لما ورد في المقام أخبار معتبرة دالة على التداخل، بل بعض صوره اجماعي لا بد إما من التصرف في أدلة الأغسال وجعل أسبابها كأسباب الوضوء ويلتزم فيها بالتداخل القهري أو يستكشف من تلك الأخبار كون مفاهيمها متصادقة، والثاني هو الظاهر، لما عرفت من دلالة الأمارات على التعدد وظهوره من أخبار التداخل أيضا.
وحينئذ فنقول: لا ريب في ثبوت التداخل في الموضوع الذي ذكره الماتن وهو صورة نية الجميع تفصيلا أو اجمالا بقصد رفع طبيعة الحدث، والتداخل فيها