فتحصل أن المأمور به على جهة التعبد لم يؤخد فيه رفع الحدث، والذي اخذ فيه رفع الحدث لم يؤمر به على جهة العبادة، بل المأمور به على جهة العبادة هو نفس الفعل وأثره من الرفع أو الإباحة إنما يترتب على وجوده الخارجي المأتي به بعنوان الامتثال والتقرب لا مطلقا، ولا يسع أخذهما قيدا لمتعلق الطلب، لحصولهما من الفعل بعد الطلب.
واستدل أيضا على ما حكي عن المعتبر والمنتهى وغيرهما على الاستباحة التي تتحقق تارة برفع المانع وهو الحدث، واخرى برفع منعه كما في المستحاضة والمسلوس ونحوهما بقوله تعالى: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " (1) الآية. بتقريب أن الظاهر منه كون ذلك لأجل الصلاة كما يقال: إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك، وإذا لقيت الأمير فخذ اهبتك، فلا بد من ايقاع تلك الأفعال لأجل الصلاة، أي إباحتها.
وفيه أنه لا يفهم من هذا التعليل في الآية كما في الأمثلة المذكورة إلا تعليق وجوب تلك الأفعال على إرادة القيام إلى الصلاة، إذ لا وجه لوجوب فعل عند إرادة فعل إلا توقف ذلك المراد على ذلك الفعل، لأن إرادة شيء لشيء لا يكون سببا لمطلوبية فعل قبله إلا لارتباط بينهما، ومن المعلوم أن الذي يتوقف عليه الصلاة إنما هو ايقاع هذه الأفعال المشخصة بجميع قيودها التي منها ايجادها لغاية الاخلاص، ليتمكن بعد ذلك من الإتيان بالصلاة، فإباحة الدخول في الصلاة من غاياتها المترتبة على وجودها على النحو المطلق منها شرعا لا أنها من القيود المأخوذة في طلبها.
وبعبارة اخرى ظاهر الآية أنه يجب عليكم لأجل الصلاة الوضوء بجميع شرائطه لا أنه يجب عليكم هذه الأفعال المقيدة بقيد أنها للصلاة على أن يكون قصد كونه للصلاة من مشخصات الفعل، لأن هذا مما لا يقتضيه سببية الشرط