إذ لولا شيوع هذا الحكم بين المسلمين وأنه معرض خوف الأذية لم ينفعهم التجشم به في إخفاء هذا الأمر العظيم.
وكيف كان يكفي في ثبوت الكراهة الخبر المزبور بعد جبره بالشهرة المحققة، بل عدم الخلاف في المسألة الذي قد يقال: إن فيه الكفاية.
قوله (قدس سره): (وفي الماء جاريا وراكدا) للأخبار الكثيرة الدالة على الحكم (1)، الواردة جملة منها في الماء مطلقا، وجملة منها في الماء النقيع والراكد، وجملة منها في الماء الجاري، وإن ورد في الأخير ما ينفي الكراهة بظاهره من نفي البأس عنه (2)، إلا أنه محمول على نفي الحرمة المتوهمة من أخبار المنع أو على خفة الكراهة فيه، لثبوت أصل الكراهة بقوله (عليه السلام) في مرسلة مسمع: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبول الرجل في الماء الجاري وقال: إن للماء أهلا " (3) فإن التعليل بالعلة العامة يفيد عموم الحكم، ولا يزاحمه خصوصية المورد.
وبما عن الخصال بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا يبولن الرجل من سطح في الهواء، ولا يبولن في ماء جار، فإن فعل شيئا من ذلك فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه، فإن للماء أهلا وللهواء أهلا " (4) حيث إن المثبت نص في الحكم والنافي ظاهر في النفي، لقوة احتمال إرادة الحرمة من البأس المنفي سيما بعد ملاحظة وروده في مقام توهم الخطر الناشئ من تلك النواهي.
وصحيحة ابن مسلم: " لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، وكره أن يبول في الراكد " (5) غير منافية لما ذكر، لاحتمال إرادة شدة الكراهة من لفظة (كره) فيها، فيكون نفي البأس في الجاري راجعا إلى نفي ذلك، فيفيد خفتها في