إن هذا الكلام ساقط جدا. من أين يلزم إذا اختلفت الناس في تأويل الحديث المشار إليه أن يكون الذين أشار إليهم عارفين بما تعرف به الإمامية؟ إذ القاعدة الحقة، أن المختلفين قد يختلفون فبعض يصيب في التأويل وبعض يخطئ.
وهذا الكلام الذي صدر عنه، إن كان ما فهم الدرك عليه فيه فهو بليد، وإن كان عرفه وتعصب على أمير المؤمنين - عليه السلام - فهو إذن منافق بالحديث الصحيح الشاهد بذلك. ثم إنه لو اتفقت الآراء وتناسبت الاجتهادات فإن الاختلاف في الظاهر لا يندفع إذا كانت شائبة العناد، وإنما كانت الاختلافات تقل إذا كانت المقاصد متناسبة في إيثار الحق ونزع سربال العصبية، ومناسبة الاجتهادات والاعتبارات، والعصبية موجودة والأذهان قد تتفاوت وعلى هذا فلا يلزم من وجود المحل القابل للتأويل اشتراك العقلاء جميعا في إصابة الصواب، ولا أن حزبا منهم أقرب إلى إصابة الصواب، إلا بدليل يدل على ذلك أو أمارة، وليس مع الجاحظ دليل على الاشتراك (1). ولا إمارة يعرفها على أن حزبه (2) فيما ذهب إليه من حزب القائلين بالإمامة، فبطل قوله في لزوم الاشتراك وبطل أن يكون حزبه أرباب الأهلية للظفر بالصواب دون غيرهم.
ويمكن أن يقال بعد هذا: إن الجاحظ قال: (إن الكلام لو لم يحتمل إلا معنى واحدا ما وقع الاختلاف، وهذا شئ ما أجبتم عنه) (3).
والذي يقال على هذا: إنه قد يكون الشئ لا يحتمل في الإنصاف إلا معنى واحدا ويقع الاختلاف بالعباد، أو (4) يحتمل معاني كثيرة يكون الصواب