وفي تفسير الإمام أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي: إرادة الله الخير بأهله، وهي على هذا صفة ذات، وقيل: ترك العقوبة لمن يستحق العقوبة وإسداء الخير إلى من لا يستحق، وعلى هذا صفة فعل.
وقول المصنف: الرحمة: المغفرة، والرحمة: التعطف فيه تخصيص بعد تعميم كما يظهر من سياق عبارة الراغب.
وقوله تعالى: (وأدخلناه في رحمتنا) (1).
قال ابن جني: هذا مجاز، وفيه الأوصاف ثلاثة:
السعة، والتشبيه، والتوكيد.
أما السعة: فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسما هو الرحمة.
وأما التشبيه: فلأنه شبه الرحمة وإن لم يصح الدخول فيها بما يجوز الدخول فيه؛ فبذلك وضعها موضعة.
وأما التوكيد: فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر، وهذا تغال بالعرض، وتفخيم منه، إذ صير إلى حيز ما يشاهد ويلمس ويعاين كالمرحمة، ومنه قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) (2) أي: أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف والتعطف عليه. والرحم بالضم، والرحم بضمتين.
وقال أبو إسحاق في قوله تعالى: (وأقرب رحما) (3) أي أقرب عطفا وأمس بالقرابة، وأنشد:
فلا ومنزل الفرقان * مالك عندها ظلم وكيف بظلم جارية * ومنها اللين والرحم؟ (4) وقال رؤبة:
* يا منزل الرحم على إدريس * وقرأ أبو عمرو بن العلاء وأقرب رحما بالتثقيل، واحتج بقول زهير يمدح هرم بن سنان:
ومن ضريبته التقوى ويعصمه * من سيئ العثرات الله والرحم (5) وهو مثل عسر، وعسر.
والفعل من كلها رحم كعلم، ورحم عليه ترحيما. وترحما. والأولى هي الفصحى، والاسم الرحمى بالضم.
قال له رحمه الله، ونص الجوهري: وقد رحمته وترحمت عليه، ولم يذكر رحمه الله ترحيما. وظاهر إطلاقه يدل على أن ترحم عليه فصيحة لأنه شرط في كتابه أن لا يذكر إلا ما صح عنده. ونقل شيخنا عن العباب للصاغاني أن ترحمت عليه لحن، والصواب: رحمته ترحيما، وكذا قال الصيدلاني، أنه لا يقال: ترحمت بل رحمت. قال: وفي الترحم معنى التكلف، فلا يطلق على الله تعالى، ورده جماعة من المحققين بأنه وارد في الأحاديث الصحيحة، وبأن صيغة التفعل ليست خاصة يالتكلف، بل تكون لغيره كالتوحد والتكبر.
ونقله الشهاب مبسوطا في مواضع من شرح الشفاء، ولشيخ شيوخنا الإمام أبي السرور سيدي العربي الفاسي في ذلك رسالة، نقل خلاصتها شيخنا سيدي المهدي الفاسي في شروحه لدلائل الخيرات. انتهى سياق شيخنا.
قلت: وفي نقله عن العباب نظر؛ لأن مصنفه وصل إلى تركيب " بكم " وبقى ما بعده ناقصا؛ لأنه اخترمته المنية كما سبق ذلك، ولعله ساق هذه العبارة في تركيب آخر من كتابه بمناسبة أو في كتاب (6) آخر من مصنفاته اللغوية، فتأمل ذلك.
وقوله: بل تكون لغيره كالتوحد والتكبر.
قلت: أي: للمبالغة والتكثير، فالأولى جعل هذه اللفظة في حديث الصلاة من هذا القبيل كما حقق ذلك بعض