وهذا بظاهره كما ترى لا ينتج شيئا إلا أن يوجه: بأن الماء النجس إذا وصل بكر لا يمكن إثبات طهره بمجرد ذلك الوصل تعويلا على الرواية، لتوقف صدق قضية " لم ينجسه شئ " على كون الطهارة محرزة قبل الوصل والملاقاة، فلا يمكن إحرازها بعد الملاقاة بتلك القضية، فلا بد من اعتبار أمر زائد على الكرية ليفيد طهارته وليس ذلك إلا الامتزاج.
وفيه: أن مستند القول بالطهارة بمجرد الوصل ليس هو الرواية ليصح دفعه بما ذكر، ثم أنه أي دليل على تأثير الامتزاج بما هو امتزاج في الطهارة ليفيد اعتباره زائدا على وصف الكرية؟
فإن قلت: الإجماع قائم بأن الماء المتنجس الممتزج بالكر ينتقل حكمه إلى الطهارة.
قلت: قصارى ما يقتضيه الإجماع المذكور أن الامتزاج لا ينافي الطهارة، وهو ليس من دعوى كونه مؤثرا في شئ.
فإن قلت: إنما يشهد بكونه مؤثرا وقوع اعتباره في كلام جماعة من المجمعين.
قلت: مع أنه معارض بعدم وقوعه في كلام الآخرين، بل التصريح بعدم التأثير في كلام غير واحد منهم، قد عرفت الوجه في اعتباره وأنه ليس اعتبارا للامتزاج بعنوان أنه امتزاج بل بعنوان أنه محصل للوحدة.
ومنها: أن المعروف من الماء المطهر - حيث يطهر - أن المطهر يتخلل في أجزائه ويجري عليه حيث يكون جسما قابلا لذلك، وإلا فلا معنى للقول بطهارة الطرف البعيد المتناهي في البعد بمجرد ملاقاته لأول أجزاء الطرف الآخر، والقول بأن الأجزاء الملاقية طهرت بالملاقاة وهي طهرت غيرها للملاقاة والامتزاج، وهكذا خيال حكمي لا يصلح لأن يكون مستندا للحكم الشرعي من غير دليل، على أنه مبني على السراية وهي مخالفة للأصل من وجه.
وفيه: أن الجزء الأول من الدليل لا يرجع إلى محصل إلا القياس الباطل، إذ المداخلة والتخلل والجريان قد ثبت اعتبارها في التطهير بالقياس إلى غير موضع النزاع كالثوب ونحوه؛ ولو اريد به الإلحاق بمورد الغالب فهو ظني لا يعبأ به، والجزء الثاني منه استبعاد صرف لا يصلح مستندا في المقام بعد ما قام من الشرع ما يقضي به، والمتبع هو الإجماع القائم في المقام وقد تبين مفاده ومعقده.