ومنها ما هو ناف للمؤاخذة والعقاب عند عدم البيان اللذين لا يعقلان إلا في التكاليف.
ومنها ما هو ناف للحكم حتى يرد فيه أمر أو نهي، فلا يجري أيضا إلا في التكاليف.
والأول: مما لا سبيل إليه جزما، لأن الاستصحاب لا يقتضي إلا ترتب أحكام النجاسة على المورد وإلا كان أصلا مثبتا، فهو إنما يرفع صغرى الأصل المقتضي للطهارة، وهو أن شرطية الامتزاج في التطهير مما لم يبينه الشارع إذا اقتضى شرطية الامتزاج؛ والمفروض أنه غير صالح له فيبقى الصغرى المذكورة صادقة؛ وإذا انضم إليها الكبرى المذكورة كان مفاديهما نفي الشرطية فيرتفع به صغرى الاستصحاب، هذا مع أن جعل الاستصحاب رافعا لصغرى أصالة عدم الشرطية يؤدي إلى الدور المستحيل، لأن جريان الاستصحاب هنا موقوف على ثبوت صغراه وهو تيقن النجاسة مع عدم تيقن ما يرفعها، وهو موقوف على عدم جريان كبرى أصالة عدم الشرطية (1)، وهو موقوف على انتفاء صغراها، إذ المفروض في منع الصغرى كون الكبرى مسلمة وإلا رجع الكلام إلى المنع الثاني وهو خلاف الفرض، فلو توقف انتفاء هذه الصغرى على جريان الاستصحاب لزم توقف جريان الاستصحاب على نفسه.
ولا يرد نظير ذلك في صورة العكس، لأن جريان أصالة عدم الشرطية وإن كان موقوفا على عدم جريان استصحاب النجاسة لكن عدم جريان استصحاب النجاسة أعم من أن يكون من جهة عدم صغراه المتوقف على جريان أصالة عدم الشرطية، أو من جهة عدم ثبوت كبراه هنا بالخصوص؛ ولما كان الأول باطلا لاستلزامه الدور المستحيل فتعين الثاني؛ وهو لا يستتبع محذورا لأن غاية ما يترتب عليه خروج كبرى الاستصحاب عن الكلية لا بطلانها رأسا.
وقضية ذلك لزوم تخصيص في دليل الاستصحاب، بأن يكون مفاده لزوم العمل بكل استصحاب إلا ما عارضه أصالة عدم الشرطية، وهو بعد ما قام عليه الدليل - ولو من جهة العقل - مما لا ضير فيه.